عكست زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لدولة الإمارات، خلال الأسبوع الماضي، عمق وأصالة العلاقات الإماراتية المصرية. وعزز اللقاء بين قيادتي البلدين الشراكة الثنائية في العديد من المجالات، كما أثمرت الزيارة الكشف عن مؤشرات ذات صلة بعناوين اقتصادية ورؤى سياسية جسدت التفاهم والتنسيق الرفيع بين الإمارات ومصر.
وفي دلالة رمزية كبيرة تؤكد على المستوى المتقدم الذي وصلت إليه العلاقات الإماراتية المصرية، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتقليد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية وسام «زايد»، وهو أعلى وسام تقدمه دولة الإمارات، تقديراً لدوره المحوري في تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين.
ويمكن استشراف مزيد من ثمار الزيارة من خلال نتائج المباحثات رفيعة المستوى بين البلدين، والتي كشفت أن مصر تعتبر الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات على مستوى القارة الأفريقية، في حين تعتبر الإمارات المصدر الأول للاستثمارات الأجنبية في مصر على مستوى العالم، ويبلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية المباشرة في مصر ما قيمته 24.3 مليار درهم، تعكس نشاط 990 شركة إماراتية مستثمرة في مصر حتى نهاية سبتمبر 2018. كما تحتل الإمارات المرتبة الثالثة عالمياً بين أكبر الأسواق التصديرية للمنتجات المصرية. وعلى ضوء هذه المعطيات المتميزة بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5.5 مليار دولار العام الماضي، فيما بلغ حجم تبادلهما غير النفطي خلال 5 سنوات 89.5 مليار درهم.
وبإمكان المتابع للعلاقات الثنائية في الساحة العربية اعتبار العلاقات الإماراتية المصرية أنموذجاً مشرفاً ومثمراً، ورصد السجل الحافل بالتعاون والتنسيق على أعلى المستويات بين الإمارات ومصر. فعلى مدى العقود والسنوات السابقة، ظلت الإمارات، ولا تزال، تراهن على استقرار مصر، لأنها دولة شقيقة ومحورية في المنطقة بثقلها الثقافي والحضاري، ويعتبر استقرارها وازدهارها محطة أساسية للاستقرار الشامل وتهيئة البيئة العربية للنهوض والتنمية.
تلك هي الرؤية الأساسية التي تحكم طبيعة العلاقات الإماراتية المصرية، وقد ظلت متجذرة وموجهة للتواصل والتفاهم الأخوي بين قيادتي البلدين منذ عهد الشيخ زايد، طيب الله ثراه. وعلى هذه الخلفية والرصيد المتين يستمر التنسيق بين الإمارات ومصر، وتشهد آفاق التعاون، عقب كل لقاء بين قيادتي البلدين، تطورات متجددة في كافة المجالات.
ولعل من أبرز ثمار التعاون والاتفاقيات الجديدة الموقعة بين البلدين، إطلاق المنصة الاستثمارية الاستراتيجية المشتركة الإماراتية والمصرية بقيمة 20 مليار دولار، مناصفة عبر شركة أبوظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادي. وبذلك تتعزز الشراكة الإماراتية المصرية وتتخذ أبعاداً مستقبلية، وخاصة أن هذا النوع من الاستثمارات الاستراتيجية يؤسس لشراكات ناجحة قائمة على الاستدامة والتنمية بعيدة المدى. وتغطي المنصة الاستثمارية المشتركة قطاعات الصناعات التحويلية والطاقة التقليدية والمتجددة والتكنولوجيا والأغذية، إلى جانب الخدمات اللوجستية المصاحبة للاستثمارات، ومنها الخدمات المالية والبنية التحتية.
وفي سياق رصد ثمار الزيارة الناجحة للرئيس المصري إلى الإمارات، وتعزيزاً لاتفاقيات الشراكة والتعاون المستمر بين البلدين، تكللت الزيارة أيضاً بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تتعلق بجوانب متعددة، منها الضرائب والقوى العاملة والتأمين. وتمثل الاتفاقيات الجديدة إضافة تتسق مع جهود سابقة في مجال التحديث الحكومي، منذ أن دشنت الإمارات ومصر العام الماضي شراكة استراتيجية لتطوير الأداء الحكومي في مصر، تشمل عدة محاور منها إنشاء أول مسرعات حكومية مصرية بالتعاون مع الإمارات.
أما على مستوى الأفق السياسي وسقف التنسيق العالي بين البلدين تجاه القضايا الإقليمية، فقد جاءت مواقف الإمارات ومصر متجانسة، وظهر ذلك بوضوح في ترحيب الجانبين باتفاق الرياض بين الأطراف اليمنية، وفي موقفهما الموحد تجاه الوضع في ليبيا والقلق بشأن وجود المليشيات المتطرفة والجماعات الإرهابية المسلحة. وبخصوص ما يعرف بأزمة سد النهضة، أكد البلدان على أهمية التوصل لاتفاق يؤمّن حقوق دول حوض النيل. وفي محور آخر تم تجديد التأكيد على سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث المحتلة من قبل إيران. وكان لملف مكافحة الإرهاب نصيب في المباحثات الرسمية بين البلدين، حيث تم التأكيد على الدور القيادي الذي تقوم به مصر في هذا الجانب.

*كاتب إماراتي