شهدت مدينة دبي نهاية الأسبوع الماضي انعقاد «المؤتمر الدولي الخامس عشر للتبرع بالأعضاء»، والذي امتدت فعالياته على مدى ثلاثة أيام، تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وزير المالية رئيس هيئة الصحة بدبي، وبمشاركة قرابة 1000 من العلماء والخبراء والأطباء والمتخصصين من داخل الدولة وخارجها. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر للمرة الأولى على مستوى منطقة الشرق الأوسط، في وقت تزداد فيه الحاجة يوماً بعد آخر لعمليات نقل وزراعة الأعضاء، نتيجة تغيرات ديموغرافية أدت لارتفاع متوسط أو مؤمل الحياة للأفراد، ضمن الظاهرة المعروفة بتشيخ المجتمعات، وبسبب تطورات صحية عامة، تتجسد في احتلال الأمراض المزمنة مرتبةً متقدمةً على قائمة أسباب الوفيات، مع تراجع مماثل للأمراض المعدية، بالإضافة إلى اختراقات طبية متتالية تسمح بإبقاء المرضى المصابين بفشل أحد الأعضاء الحيوية على قيد الحياة لفترات زمنية أطول.
ويعتبر مجال نقل وزراعة الأعضاء من المجالات الطبية التي تشهد تطورات متلاحقة، على صعيد سن القوانين والتشريعات الوطنية، وفي جانب زيادة الوعي العام من خلال حملات التوعية المجتمعية، بالإضافة إلى لفيف من الاختراقات العلمية المستقبلية الواعدة. آخر تلك الاختراقات، أعلن عنه منتصف شهر سبتمبر الماضي في الدورية العلمية الشهيرة (Nature Biotechnology)، ويتلخص في أن تبريد الكبد البشري تبريداً فائقاً (4 درجات مئوية تحت الصفر)، من شأنه أن يطيل فترة صلاحية العضو المتبرع به بمقدار ثلاثة أضعاف، مقارنة بطريقة التبريد الحالية المعتمدة على الثلج، وبذلك يمكن الإبقاء على صلاحية الأعضاء المتبرع بها لأكثر من يوم واحد، وهو ما سيُعتبَر ثورةً في عالم نقل وزراعة الأعضاء.
ويأمل العلماء أن لا تقتصر إطالة زمن صلاحية الأعضاء البشرية على يوم واحد فقط، بل ربما يمكنهم يوماً ما تحقيق حلم «بنك الأعضاء»، والذي يمكن من خلاله تخزين الأعضاء الحيوية لشهور وسنوات، لاستخدامها عند الحاجة. هذا الحلم أصبح أقرب للتحقق مع تقنية التبريد الفائق (Supercooling) سابق الذكر، ومع تقنية أخرى حديثة تعرف بالكبد الدافئ (Warm Liver)، والتي تم اعتمادها بداية العام الجاري للاستخدام من قبل نظام الرعاية الصحية الوطني في بريطانيا، بناءً على توصية المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية. في هذه التقنية يتم الحفاظ على العضو المتبرع به في درجة حرارة مماثلة لدرجة حرارة الجسم، مع مده بالدم وما يحمله من أوكسجين، ومغذيات حيوية، وربما حتى الأدوية والعقاقير الطبية، من خلال أجهزة التروية الدموية (Perfusion Machine).
ويهدف هذا الأسلوب إلى خفض الضرر والتلف الذي يحدث للأعضاء بسبب تبريدها، بعد أخذها وأثناء نقلها، ثم إعادة تدفئتها قبل زرعها في جسد المريض، وهو الضرر الذي كثيراً ما يجعل العضو غير صالح وعديم الفائدة. كما تتيح هذه التقنية تقدير وتقييم حالة الكبد قبل نقله للمريض، ومنح الكبد فرصة للتعافي والالتئام إذا ما كان قد تعرض لضرر قبل أو أثناء حصده من المتبرع. ويمكن لتقنية «الكبد الدافئ» تلك، أن تزيد من الفترة التي يمكن الاحتفاظ فيها بالكبد قبل استخدامه، وأن تمنح مرونةً أكبر في توقيت إجراء عملية النقل والزراعة. فكلّما زاد الوقت المتاح لفريق الزراعة، زادت فرصة إجراء المزيد من الفحوصات، والتقدير السليم لحالة العضو، واختيار المريض المناسب لنقل العضو المتاح إليه.
وجدير بالذكر هنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر حالياً في مصاف الدول الرائدة في مجال زراعة الأعضاء، وبالتحديد في زراعة أكثر من عضو في آن واحد، وهو الإجراء الطبي الذي لا يتوافر حالياً في أي من دول المنطقة، ما عدا دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ومن الممكن إدراك حجم الإنجاز الذي حققه حتى الآن البرنامج الإماراتي الوطني للتبرع بالأعضاء، والذي يشرف عليه حالياً الدكتور علي عبد الكريم العبيدلي، المدير التنفيذي للشؤون الأكاديمية بشركة أبوظبي للخدمات الصحية، ورئيس اللجنة الوطنية لزراعة الأعضاء، من خلال البيانات التي تُظهِر نجاح 268 عملية نقل وزراعة لإنقاذ حياة 34 مريضاً، حسب إحصاءات العام الماضي. ويأتي اهتمام القيادة الحكيمة في الدولة، وواضعي الخطط المستقبلية لقطاع الرعاية الصحية، بمجال نقل وزراعة الأعضاء، على خلفية البيانات التي تظهِر وجود حوالي 4 آلاف شخص مصابين بفشل أحد الأعضاء الحيوية، مثل هبوط وفشل القلب، وفشل الكبد والرئتين، وإن كان الغالبية العظمى من هؤلاء يعانون الفشل الكلوي.