جون إف. كينيدي اعترف بأن نيكيتا خروتشوف «سحقني» خلال قمتهما في فيينا عام1961. والصين خصت باراك أوباما باستقبال غير لائق عندما حطت طائرته الرئاسية «إير فورس وان» في هانغزو في 2016. غير أنه في تاريخ الإهانات الدبلوماسية، من الصعب التغلب على زيارة رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع إلى البيت الأبيض.
خلال سنوات أوباما، أصبح القول، إن الرئيس الأميركي الرابع والأربعين لديه عادة سيئة تتمثل في التعامل مع الزعماء المستبدين بلطف وأدب، لازمةً معتادةً يكررها المحافظون. ولكننا لم نكن ندري ما القادم. ففي المؤتمر نفسه الذي أهان فيه أردوغان مضيفه، أعلن أردوغان أنه «من أشد المعجبين» بضيفه. ثم راح يرسم صورة متملقة لسلوك تركيا القبيح.
فما الذي يجري؟
أحد التفسيرات الممكنة يتعلق بعلم النفس: فمن أردوغان إلى كيم جونغ أون، يبدو أن لدى الرئيس الأميركي ميلا إلى السلطويين. النظرية الثانية هي أن ترامب يستثمر علاقاته التجارية الواسعة في تركيا. فهذا الأسبوع، أوضح زميلاي ديفيد كركباتريك وإيريك ليبتون على نحو مفصل الطرق اللافتة التي طور بها صهر ترامب، جارد كوشنر، وصهر أردوغان، بيرات البيرق (وهو وزير المالية التركي)، وصهر رجل الأعمال التركي البارز آيدين دوغان (الذي يملك أبراج ترامب في إسطنبول) قناة خلفية شخصية. والنتيجة كانت عقوبات ضعيفة عن سلوك أردوغان السيئ ورضوخا سريعا لمطالبه.
النظرية الثالثة هي أن ترامب يتبع استراتيجية سياسية. فهو ينظر إلى شعار «إنهاء الحروب التي لا نهاية لها» الذي يرفعه باعتباره جزءا من خطاب إعادة الانتخاب، وأردوغان يمكنه مساعدته على القيام بذلك عبر سد الفراغ الذي يخلقه انسحابه من سوريا، من دون أي اعتبار للأشخاص الذين يتعرضون للخيانة في الاتفاق. أضف إلى ذلك السبب الاستراتيجي المتمثل في أن تركيا كحليف مشاكس داخل «الناتو» أفضل من تركيا كخصم خطير خارجه، ولعل هذا يمثل تفسيرا للسياسة الأميركية الحالية إزاء تركيا.
هذه النظريات ليست غير متوافقة: فعلى غرار الكثير من الأشياء الأخرى في عالم ترامب، فإن السيكودراما والفساد التجاري وخدمة الذات السياسية والحماقة الأخلاقية... تختلط مع بعضها بعضا وتتضافر. ولكنها تمثل أيضا تذكيرا بالمدى الذي بلغه انحطاط عملية صنع السياسات خلال رئاسته.
والواقع أنه لطالما كانت تركيا ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للغرب، ككابح للنزعة التوسعية الروسية والأصولية الإسلامية وكمصدر إلهام بخصوص العلمانية والتحديث بالنسبة للعالم الإسلامي. غير أن أردوغان وحليف روسيا مؤخرا، هو أخطر زعيم في تاريخها، ولهذا، ينبغي أن يكون هدف السياسة الأميركية بسيطا: استخدام كل الوسائل القانونية لاحتواء طموحات أردوغان الإقليمية، وكشف تجاوزاته الداخلية، وإضعاف قبضته على السلطة لفائدة الأتراك العاديين الذين يعيشون في دولة ما فتئت تزداد سلطوية. ولكن ترامب حقق عكس ذلك.
ذلك أن الانسحاب الأميركي من سوريا في وجه التهديدات التركية منح أردوغان دفعة قومية تحديداً في الوقت الذي مني فيه حزبه الحاكم بخسارتين متتاليتين هذا العام في انتخابات عمودية إسطنبول. صحيح أن الإدارة الأميركية استبعدت تركيا من برنامج مقاتلات «إف 35» بعد أن اشترت أنقرة نظاما صاروخيا روسيا غير متطابق، ولكنها فشلت في فرض عقوبات حقيقية، رغم مطالب الكونجرس بفعل ذلك.
الآن، وبالنظر إلى قمته مع ترامب، «أثبت أردوغان لجمهوره الداخلي وللزعماء الدوليين أنه ليس منبوذا، وأنه ما زال محل ترحيب في البيت الأبيض»، كما يقول أيكان إردمير، وهو سياسي معارض سابقا يشتغل الآن مع «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» التي يوجد مقرها في واشنطن. كما أن إعادة الرسالة لم يكن سوى تحصيل حاصل.
إن حقيقة أن إخفاقا دبلوماسيا خطيرا مثل زيارة أردوغان يبدو ثانويا أمام أخبار العزل هذا الأسبوع إنما تشي بالكثير عن طبيعة الزمن الذي نعيش فيه. وكل هذا سبب إضافي قوي لإيلاء الانتباه جيدا، فتحت سيل من فضائح ترامب التي لا نهاية لها، أخذت قوة عظمى تفقد قبضتها.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/11/15/opinion/trump-turkey-erdogan.html