تتصدر «الدبلوماسية الشعبية»، بين أهم المرتكزات التي يتم من خلالها تصنيف الدول وقياس مدى تحقيقها لمتطلبات «الدول الذكية»، المتماشية مع احتياجات العصر متسارعة التجدد، ذلك أن لهذا النوع من الدبلوماسية شرطاً وأساساً يتمثل في وجوب تكاتف القوى المجتمعية الصالحة لتحقيقه، سواء أكان ذلك من خلال الشخصيات المجتمعية المؤثرة، أو النخبة الصحافية، أو الفنانين والجهات البارزة وغيرهم. مما يعني رؤية متوحدة، وإرادة واحدة.
وفي هذا السياق لابد من وصف البلدان الناجحة في مجال الدبلوماسية الشعبية، بـ«الذكية»، و«الثرية»، إذ جمعت بين توافر الكفاءات الواعية، والخبرة بمتطلباته ومجالات تداخله مع السياسات، إضافةً لارتكازها على مبدأ الحوار، كوسيلة مرشحة بالمرتبة الأولى لحشد التأييد والوصول إلى الإقناع والتوضيح، مما يجعلها قادرة على التغيير والتطوير أكثر من غيرها.
وتعنى الدبلوماسية الشعبية بالأنشطة التي تبذلها الدول، خارج حدودها الجغرافية، عن طريق الاستعانة بشعبها لكسب الرأي العام الخارجي. كما أن الدبلوماسية الشعبية، والتي تدعى بـ«الدبلوماسية العامة أو الناعمة»، لها ما لها من مميزات تعد الفيصل بينها والدبلوماسية التقليدية في حلتها الرسمية قد يعتبر أبرزها قيام أعمالها ومنجزاتها عن أنشطة السفارات، والبعثات الدبلوماسية وإعلامها الرسمي كما في الدبلوماسية التقليدية المتعارف عليها.
من خلال النظر في مخرجات هذا النوع من الدبلوماسية، وموازاته بحال المجتمعات في الوقت الحاضر، فلا تزال الكثير من المجتمعات، معوزة بشكل كبير إلى الاستلهام من النماذج الناجحة في مجال الاستراتيجية الذكية، والتي أحرزت تميزاً في هذا المجال، ومنها نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال إنشاء «مجلس القوة الناعمة» عام 2017، ليدفع ويدشن برامجَ وسياسات عمل مستدامة ذات بعد إقليمي وعالمي، تشمل كافة مقوّمات الدولة الاقتصادية والثقافية والفنية والسياحية والإنسانية والمجتمعية، مولية حيز لا بأس به من العناية والاهتمام الملحوظين للثقل الإنساني والحضاري، كما وقد اهتمت في استراتيجيتها بالدبلوماسية الإنسانية، ودبلوماسية الشخصيات والتمثيل الدولي، والدبلوماسية الشعبية، والدبلوماسية العلمية والأكاديمية، والدبلوماسية الثقافية والإعلامية، والدبلوماسية الاقتصادية، والهوية الموحدة. وكل ذلك يشكل عاملاً رئيساً في عملية إبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات وإرثها وهويتها وثقافتها المميزة، التي تعتبر ضرورة للدول على اختلافها، فأي مجتمع لا يطمح لتحقيق التطوير في مؤسساته؟ أو لا يجد لترسيخ سمعة دولته بين مصافي الدول الحديثة، والمنفتحة، والمتسامحة والمحبة لكافة شعوب العالم؟!
وفي سياق الإمعان في متطلبات «الدبلوماسية الذكية» لابد من العمل على نشر كل ما يعزز الشعور بمسؤولية «الوعي التنوعي» في المجتمعات، إذ لا تكتمل بإيصالها لأفراد دون مجتمعاتهم، مع مراعاة ما يقع على عاتق الدول وسياساتها التنظيمية في المرتبة الأولى التمهيدية والتأسيسية لذلك، فالعامل الأساس في إفشال أو إنجاح «مشروع الدبلوماسية الشعبية» وعلاقتها في إدارة التعددية الإثنية والثقافية، يعود للمدارس البنيوية المتعاقبة، والمشتغلة في ميادين السلطة والثقافة والاقتصاد بالدرجة الأولى، ولا يلقى على عاتق التعدديات نفسها.
إن الدبلوماسية الشعبية هي باب نجاة المجتمعات من سطوة الانعزال، إلى حيز الحوار والتواصل والتبادل المعرفي، كما تعتبر بوصلة تغيير الاتجاهات والقناعات معها، للأفضل، والأكثر فاعلية في زهو المجتمعات ونضوج وعيها بمزيد من الإيجابية، من خلال إغناء البيئة الإعلامية والاجتماعية، وغيرها، والتركيز على نقاط قوة المجتمعات، والمضي بالمشترك فيما بينها ودعم قيم التسامح، والسلام والخير سمواً على ما دونها من محاولات تأجيج ثروة «الاختلاف»، وتحويلها لعصا «الخلافات» والنزاعات في مجتمعاتنا، اللاهجة بشبابها نحو الأفضل، والمحدقة في حبل النجاة من حكوماتها الرشيدة.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.