بعد سنوات من التحقيقات وشهور من التأخير، اتهم النائب العام الإسرائيلي «أفيشاي ماندلبليت» رسمياً بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم تتراوح بين انتهاكه لثقة الجمهور إلى الرشوة والاحتيال. سيجادل المدافعون عن إسرائيل بأن حقيقة أن رئيس الوزراء الحالي قد تم اتهامه بارتكاب جرائم ضد الدولة والشعب، تمثل أدلة دامغة على ديمقراطية البلاد والتزامها بسيادة القانون. هذه هي النقطة التي أوضحها «ماندلبليت» في الإعلان عن لائحة الاتهامات، حيث قال: «تتطلب المصلحة العامة أن نعيش في بلد لا يوجد فيه أحد فوق القانون»، ومع ذلك، هذا صحيح جزئياً فقط، لأنه يبدو أن مبادئ الديمقراطية أو سيادة القانون في إسرائيل تنطبق فقط على اليهود الإسرائيليين أو مصالح الدولة نفسها. وفي الحقيقة، فإن مسيرة نتنياهو البشعة برمتها، هي دليل على انتقائية إحساس إسرائيل بالعدالة.
في الماضي، تم اتهام عائلة نتنياهو ببعض من أسوأ أشكال الفساد التي يمكن تخيلها. فعلى سبيل المثال، أدينت زوجته بأخذ زجاجات المشروبات المستهلكة الفارغة من المؤسسات الرسمية بالبلاد والحصول على أموال مقابل إعادة تدويرها. كما أنه من المعروف عن أسرة نتنياهو أنها تجلب معها الملابس التي تحتاج إلى تنظيف خلال ثلاثة أسابيع، أثناء رحلات رسمية تستغرق يومين لإرساله إلى الفندق الذي يقيمون به، للتنظيف وتحميل الفاتورة على ميزانية الدولة. هذه أمثلة على ممارسات اشتهرت بها أسرة نتنياهو.
وبالنظر إلى لائحة الاتهامات الأخيرة، من الواضح أن رئيس الوزراء قد تدرّج إلى أشكال أكبر وأفضل من الغش والفساد. لكن الأمر المذهل هو أن كل هذه الجرائم التي وجهت إليه مركزة على إرضاء غروره أو شهيته. في بعض الحالات، كانت خدمات يؤديها لرجال أعمال في مقابل هدايا بمئات الآلاف من الدولارات، وفي حالات أخرى كانت صفقات فساد يقوم بها مع مختلف أقطاب الإعلام، حيث يعدهم بمزايا في مقابل منحه تغطية إيجابية في منافذ الأخبار الخاصة بهم.
ليس ثمة شك في أنه في كل هذه الحالات كان سلوك نتنياهو إجرامياً بشكل واضح، وكما وصفه النائب العام، خرقاً للثقة العامة. لكن ما أجده مدهشاً ومقلقاً للغاية، هو أن هذه الجرائم تقل أهميتها عند مقارنتها بما فعله نتنياهو بالشعب الفلسطيني ومستقبل السلام الإسرائيلي-الفلسطيني، وهي جرائم لن يُحاسب عليها.
بعد اتفاقية أوسلو، نظم نتنياهو لوبي خلفياً لتعبئة معارضة الكونجرس الأميركي لاتفاقات السلام. وكانت هذه المرة الأولى التي يعمل فيها لوبي إسرائيلي في الولايات المتحدة لمعارضة حكومتهم. وكان يجب اتهامه بالخيانة.
وفي إسرائيل، خلال نفس الفترة، نظم نتنياهو مع أرييل شارون وعدد قليل من الآخرين حملة تشهير ضد رئيس الوزراء اسحق رابين. كانت الحملة عنيفة ومتوعدة لدرجة أن العديد من الإسرائيليين، بمن فيهم زوجة رابين، اعتبروا نتنياهو مسؤولاً عن اغتيال رابين، وكان يجب اتهامه بالتحريض.
وفي عام 1996، تم انتخابه رئيساً للوزراء بناء على برنامج مكرس لإنهاء عملية السلام، حيث قام بكل ما في وسعه لإبطاء وتشويه، وفي النهاية، تخريب عملية أوسلو للسلام. حتى الاتفاق الذي وقعه مع الفلسطينيين في «واي ريفر» عرقل العملية لدرجة أنه بحلول نهاية فترة ولايته الأولى، كان السلام على أجهزة دعم الحياة. وكان يتعين اتهامه بتدمير آفاق السلام وتعريض حياة الملايين للخطر.
وخلال فترات ولايته الثلاث الأخيرة، كان يحرض على العنف والكراهية ضد الفلسطينيين، سواء كان هؤلاء من مواطني إسرائيل أو الذين يعيشون تحت الاحتلال. وقد أدى هذا إلى تأجيج حركات المستوطنين المتطرفين الذين انخرطوا في أعمال عنف وقتل وتدمير للممتلكات يومياً. كما شجع الجنود في الجيش الإسرائيلي على قتل الفلسطينيين العُزّل وكان يدعمهم عندما توجه إليهم تهم بارتكاب جرائم. وبالإضافة إلى ذلك، وكما فعل مع رابين، اتهم خصومه الإسرائيليين زورا بالاقتراب من العرب واتهم المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بأنهم أعداء الدولة. وكان يجب أن يكون متهماً بارتكاب جرائم كراهية.
وخلال فترة توليه منصبه قام بتوسيع المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المسروقة وهدم الممتلكات الفلسطينية، والإشراف على عدد من الهجمات المدمرة على غزة والتي أسفرت عن مذبحة عشوائية لآلاف المدنيين الأبرياء وتدمير البنية التحتية في غزة، وقام أيضاً بفرض حصارٍ قاسي على سكان غزة، كعقاب جماعي، حيث تم تقييد دخول الغذاء والدواء والمواد الأساسية الأخرى إلى غزة لفترات طويلة، ما أدى إلى تفشي الأمراض والفقر بين الملايين من الأبرياء. وكان يجب أن يكون متهما بجرائم حرب.
من الممكن أن تمتد القائمة لأكثر من ذلك، ولكن هذا يكفي. وخلاصة القول إنه من المؤكد أن نتنياهو مجرم حرب. ولكن في إسرائيل اليوم، لا يمكن إدانته بارتكاب أخطر جرائمه –الخيانة والتحريض وتدمير السلام والكراهية وجرائم الحرب. وبدلاً من ذلك، سيُطلب منه فقط الرد على الأفعال التي تفضح شهيته النرجسية وفساده.
*رئيس المعهد العربي الأميركي بواشنطن