يعيش البشر في وقتنا الحاضر عصر البرمجة العقلية، عصر أصبح فيه نمط التفكير المتعلّق بالأساطير العلمية أمراً مقبولاً، وربما يعتبره البعض أنه وحده الذي يتحدث عن الحقائق. ومن تلك الأساطير العلمية التي يعتبرها الناس من المسلّمات العلمية هو مشروع «البيولوجيا الجزئية»، أو ما يسمى «الجينوم البشري»، والادعاء بأن هذا المشروع واكتشافاته ستقضي على كل الأمراض، وسيكون هناك أدوية لعلاج جميع الأمراض، ولكن بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق «جورج بوش الأب» قبل ثلاثين عاماً، صرف أكثر من ثلاثين مليار دولاراً على مشروع لم يظهر إلى النور ما وعدت به البشرية، ولم تفلح كل المحاولات لتضييق الهوة، وهو نوع من الجهل المثقّف، ولا يختلف العلماء هنا عن نوعية شيوخ الدين الذين يدعّون امتلاك الحقيقة ولن يفهم الإنسان العادي تفاصيل ما يملكونه هم من معرفة، ولكن لماذا يخفي العلماء أن لكل إنسان نظام جينوم بشري فريد له مؤشرات تختلف حتى عن أقرب قريب له!
ففي القرن الماضي حاولت الحكومات في جميع أنحاء العالم تسخير قوة العقل، وقد أنفقت الوكالات الاستخباراتية الحكومية السريّة المليارات من الدولارات في محاولات جادة لتسليح الإدراك الحسي الإضافي لاستخدامه ضد أعدائهم، وكان هناك ولا يزال سباق التسلّح الروحي العقلي وهذه ليست بأوهام، فالسيطرة على العقل والتلاعب به والتأثير على السلوك البشري من أجل شلّ الأفراد أو المجموعات الصغيرة لم يعد ضرباً من الخيال، وهناك خوف حقيقي من أن الجنود الخارقين نفسياً سيكونون الأسلوب الجديد للحرب إلى جانب الذكاء الاصطناعي وحرب البيولوجيا الحيوية والحروب المناخية، وعمليات الاغتيال من خلال التأثير الإيحائي بدأت منذ العشرينيات في الاتحاد السوفييتي السابق مما لا يجعل أحداً فوق هذا التهديد، وأهمية وجود خطط دفاعية نفسية في الأجهزة الأمنية المعنية خاصةً في دولنا العربية، والتي خرجت من عباءة العمل التقليدي للاستفادة القصوى من التكنولوجيا وإهمال التهديدات التي تعدّ في نظرهم احتمالاً بعيداً للغاية وغير واقعي.
فبعد انتشار الأخبار عن نجاح تجارب الاختبارات النفسية والعقلية في الولايات المتحدة في الستينيات، كانت الاستجابة السوفييتية هي عبارة عن إعادة فتح للتجارب التي أجريت خلال ربع قرن من قبل وخاصةً بحوث التخاطر، وكانت الاكتشافات سريّة للغاية حتى يومنا هذا، وهي اكتشافات تعدّ بالنسبة للغرب مساوية في أهميتها للاكتشافات التي حدثت في مجال الطاقة الذرية، وخاصةً تحويل المادة العضوية إلى طاقة غير مرئية وغير محسوسة، وكانت هناك مشاريع عملاقة تعدّ علامةً فارقةً في هذا الحقل، كمشروع «فينيق» السري للغاية في الجانب السوفييتي، ومشروع «بوابة النجوم» في الجانب الأميركي، وكيف لعب هذا العلم دوراً حيوياً لليابان في بداية الحرب العالمية الثانية خروجاً من مختبر التطوير العسكري، الذي كان يديره الجيش الياباني الإمبراطوري من 1919 إلى 1945 والمعروف باسم مختبر "Noborito"، والذي كان وجوده سرياً حتى على وحدات الجيش الأخرى، وتركيز المختبر على الحرب غير التقليدية وغيرها من الاستخدامات من قبل الجيش الألماني النازي والاستخبارات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية، ومؤخراً الصينية والهندية، والتي قد تحقق سبقاً بالرغم من البداية المتأخرة نسبياً.
سباق محموم نراه الآن بين الدول المتقدمة حول الأبحاث التي تركزّ على علوم «ما وراء علم النفس» و«الطب التكاملي» والسيطرة على منطقة اللاوعي في عقل الإنسان للحصول على معلومات عن المناطق الخطرة، والتي تشكّل تهديداً على الدول، والتأثير في تفكير شخص ما عن بعد وخلال الاجتماعات المهمة وخاصةً قادة الدول المنافسة والأشخاص المؤثرين في بلدانهم، وغيرها من الممارسات التي تتعلّق بظواهر خفية وغير علمية - بمعايير العلم التقليدية -، وقد كانت جامعة ستانفورد الأميركية الشهيرة رائدةً في هذا الحقل، وتحظى بدعم مالي حكومي كبير حيال أبحاثها غير الاعتيادية، وفي المقابل بدأ الجيش الروسي في الثمانينيات برامج التصاميم النفسية السريّة المتقدمة للغاية وخوض غمار القدرات الطبيعية لدماغ الإنسان، والمشاعر والأفكار والطاقة الكونية والهالة المحيطة بالإنسان، وقد تبيّن من خلال ما توصل إليه علم الأعصاب البيولوجي من استنتاجات أن تطور البشرية، هو تطور الدماغ قبل كل شيء، والذي ما زال يخضع لهذه العملية بنشاط بخلاف باقي أعضاء جسم الإنسان، وقد تبين من خلال دراسات علم الأعصاب البيولوجي أيضاً أن حجم ونشاط المناطق المسؤولة في الدماغ عن الغرائز البدائية وتلك المسؤولة عن الرصانة وضبط النفس والتفاعل الاجتماعي قد تختلف فطرياً من إنسان لآخر وصولاً لمفهوم «الاصطفاء الدماغي»، وكيف سينعكس كل ذلك على ما هو قادم في صراع الحروب غير التقليدية.