في منتصف الشهر الماضي، ولأول مرة في التاريخ، قام فريق جميع أفراده من النساء، بإجراء ما يعرف بنشاط خارج المركبة (Spacewalk)، أي المهام التي يقوم بها رائد الفضاء خارج المركبة الفضائية في الفضاء الخارجي. وينطبق المصطلح عادة على عملية السير خارج المركبة الفضائية التي تدور حول الأرض، مثل محطة الفضاء الدولية، لكنه ينطبق أيضاً على استكشاف سطح القمر الذي قام به ستة رواد فضاء أميركيين في برنامج أبولو في الفترة الممتدة من 1969 إلى 1972. كما قام أيضاً رواد الفضاء بنشاط خارج المركبة في عام 1973، لإصلاح بعض الأضرار التي لحقت بمحطة الفضاء «سكاي لاب».
ويعتبر هذا الإنجاز النسائي الأخير، خطوة أخرى على طريق طويل من نجاح المرأة في استكشاف الفضاء الخارجي، بدأته رائدة الفضاء السوفييتية «فالنتينا تيرشكوفا» عام 1963، عندما أصبحت أول امرأة تحلق خارج نطاق الجاذبية. والآن، ومن بين حوالي 565 رائد فضاء قاموا بهذه الرحلة إلى الفضاء الخارجي، كان من بينهم 65 امرأة وفتاة.
ومؤخراً زاد الاهتمام بتأثير رحلات الفضاء وتبعاتها على الجنس اللطيف، نتيجة العدد المتزايد من النساء، في بيئة قاسية جداً وغريبة على الجسم البشري، لا يمكن البقاء فيها على قيد الحياة من دون أجهزة خاصة، وخصوصاً تلك الرحلات التي تستمر لفترات طويلة، وذلك ضمن المجال المعروف بطب الفضاء (Space Medicine)، والذي يعتبر علماً منشقاً عن طب الطيران.
ويهتم هذا العلم أو التخصص الطبي بالرعاية الصحية لرواد الفضاء أثناء تواجدهم في الفضاء، وبالتحديد كيف يمكن للإنسان البقاء على قيد الحياة في ظروف بيئية صعبة جداً كتلك الموجودة في الفضاء الخارجي، ولأي مدة، وسبل الإسراع من تأقلم رائد الفضاء مع بيئة الأرض بعد عودته من رحلة فضائية طويلة. هذا بالإضافة إلى دراسة التغيرات التشريحية والفسيولوجية التي يتعرض لها الجسم البشري، بعد قضائه فترة طويلة في منطقة انعدام الجاذبية.
الثابت والمؤكد أن رحلات الفضاء، وخصوصاً الممتدة منها، تترك بصمتها وتأثيرها على العديد من الأنسجة والأجهزة الحيوية. ولن يتسع المجال هنا لذكر جميع تلك التأثيرات، لكن يمكن تشبيه بعضها بعملية تشيخ، أي تقدم متسارع في العمر، وهو مما يتضح بشكل جلي على العظام والتي تفقد جزءاً من كتلتها ومن كثافتها، ولا يمكن استعادة هذا المفقود من الكثافة والكتلة، رغم الإجراءات والتدابير التي تتخذها وكالات الفضاء والمتخصصون في طب الفضاء، أثناء وجود رائد الفضاء في المحطة الفضائية أو بعد عودته إلى كوكب الأرض.
والملاحظ خلال 55 عاماً الماضية منذ ارتحلت رائدة الفضاء الروسية إلى خارج نطاق الجاذبية، أن الفضاء الخارجي يؤثر على الرجال بشكل مختلف عن النساء. فالنساء مثلاً يشعرن بالغثيان عند خروجهن للفضاء، بينما يشعر الرجال بالغثيان أثناء وبعد عودتهم للأرض. وفي الوقت الذي يعاني فيه الرجال من مشاكل في البصر وفي السمع عند عودتهم للأرض، لا تعاني النساء من هذه المشاكل، وإن كانت النساء بعد العودة تعانين من اضطراب في ضغط الدم، مما يولد لديهن شعوراً بالدوخة والدوران.
وليس واضحاً سبب هذه الفروقات بين الجنسين، والتي ربما تكون لاختلافات واعتبارات هرمونية، أو نتيجة لتغيرات فسيولوجية، وفي كلتا الحالتين سيؤدي الفهم الأعمق لتلك الفروقات، إلى فهم أعمق مماثل للفروقات بين صحة المرأة والرجل على سطح الأرض.
ويعتبر تأثير رحلات الفضاء الخارجية على قدرة الإنجاب لدى الذكور والإناث من اهتمامات طب الفضاء. فرغم أن رواد الفضاء السابقين، من الذكور والإناث، قاموا بالإنجاب بعد عودتهم، فإن التعرض للأشعة في الفضاء الخارجي قد يكون مصدر قلق على خصوبة المرأة. ففي الرجال، وبعد رحلات الفضاء الخارجية، تنخفض نوعية وعدد الحيوانات المنوية، إلا أنها تستعيد حيويتها وأعدادها بعد فترة يقضيها رائد الفضاء على سطح الأرض. إلا أنه بالنسبة النساء، واللاتي يحملن جميع بويضاتهن منذ لحظة ولادتهن، قد يلجأن إلى تجميد بعض هذه البويضات قبل الانطلاق في رحلتهن، تحسباً لأي ضرر قد تتعرض له مبايضهن وبويضاتهن أثناء الرحلة.
وجدير بالذكر هنا، أن الإنجاز الذي قام به الفريق النسائي منتصف الشهر الماضي، كان مقرراً تنفيذه نهاية شهر مارس من العام الجاري، إلا أنه تقرر تأجيله، بسبب عدم توفر بذلات فضاء تناسب حجم الجنس اللطيف، نتيجة اختلاف مقاسات الرجال عن النساء، وهي إحدى الاعتبارات التي ستضعها وكالات الفضاء في حساباتها ضمن خططها المستقبلية لرائدات الفضاء.