تعيش الإمارات هذه الأيام فعاليات اليوم الوطني السنوي الثامن والأربعين، الذي يصادف يوم غد الاثنين الثاني من ديسمبر، وهي مناسبة سعيدة على قلوب قيادة وشعب هذا الوطن، ينتظرونها بفارغ الصبر لكي يعبروا خلالها عن حبهم وفخرهم واعتزازهم بوطنهم المعطاء، الذي يوفر لهم منذ تأسيسه جميع المقومات العصرية التي يتفاخرون بها أمام جميع شعوب العالم المعاصر، بأن لهم وطناً لم يبخل عليهم بشيء منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة.
كان تشكيل الدولة الاتحادية طموحاً رسمياً وشعبياً قاده أول رئيس لها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، وإخوانه آنذاك حكام الإمارات السبع رحمهم الله جميعاً، والذين تَكّونَ منهم أول مجلس أعلى للاتحاد قاد المسيرة وأوصلها إلى بر الأمان، وهم الآباء المؤسسون للدولة الاتحادية العتيدة.
الاتحاد القائم حالياً ومنذ اللحظات الأولى لتأسيسه، أُريدَ له أن يكون اتحاداً خلاّقاً يذهب إلى ما وراء الاتحادية التقليدية، بالتركيز على العلاقات المباشرة بين المركز والأطراف التي تتجاوز المحلية، وتمضي قدماً لتأسيس علاقات راسخة وقوية بين الدولة الاتحادية والحكومات المحلية والقواعد الشعبية على المستويات المحلية.
هذا النمط الفريد من الاتحادية الخلاّقة قلما توصلت إليه أمم أخرى على وجه البسيطة، فهو مستنبط خاص بأهل الإمارات وحدهم أوجدوه بجهودهم الخلاّقة لكي يكون قدوة لمن اقتدى، وفحوى الاتحادية الخلاّقة التي نتحدث عنها هو أن تقوم الدولة بالتواصل المباشر مع جميع المواطنين بكافة فئاتهم وفي كل مكان يقطنون فيه لتلمس همومهم ومعرفة احتياجاتهم ورغباتهم، وتحويلها إلى واقع ملموس عن طريق توفير الحلول المناسبة لها، في الوقت نفسه التي تقوم فيه الفئات الشعبية - المجتمعية - الأهلية بأعمال رائدة في خدمة الدولة والمجتمع على المستوى الاتحادي قوامها عدم التمييز بين أجزاء الوطن أو بين الحالات التي يتم طرقها وفقاً لانتمائها لمنطقة بعينها. فتحت شعار خدمة الوطن الواحد أو الشعارات المتعلقة بخدمة المواطن أينما كان على الصعد كافة والمستويات، تقوم هذه الفئات المجتمعية بإرشاد الدولة الاتحادية إلى الزوايا التي يحتاجها المواطنون أينما كانوا وفي الوقت المناسب لكي تتحرك وتقوم بواجبها نحوهم.
وأثبتت نتائج عدد من الدراسات أن وجود اتحاد خلّاق في دولة الإمارات لا يدفع نحو مزيد من مركزية اتخاذ القرار بقدر ما يسهم في وجود علاقات عمل وظيفية براجماتية تصُب في صالح تعضيد الاتحاد من زاوية جعل العلاقات مباشرة بين المركز الاتحادي والقواعد المواطنة.
لقد أثبتت النتائج المستقاة بأن التحول البراجماتي من الاتحادية الثنائية المعقودة بين المركز والأطراف نحو اتحاد تعاوني أشمل بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية والقواعد الشعبية يجعل من الممكن جداً مساهمة الحكومة الاتحادية بإيجابية في العديد من الجوانب التي تكون مبعدة عنها في ظل التفسيرات الضيقة للدستور الاتحادي. لذلك فإن التحول نحو الاتحادية الخلاّقة لا يشكل مزيداً من المركزية اللا إيجابية.
عوضاً عن ذلك الاتحادية الخلاّقة في دولة الإمارات تشكل صورة من اللامركزية من زاوية أن الحكومة الاتحادية تصل بإيجابية إلى كافة أرجاء الوطن لإدارة وتنفيذ البرامج التي يمولها الاتحاد من موارده المالية من دون تردد أو تباطؤ خدمة للمواطنين في إمكانهم. في يوم الإمارات الثامن والأربعين تهانينا للوطن قيادة وشعباً، وإلى المزيد من الإنجازات الخلاّقة.
*كاتب إماراتي