رغم تزايد الدراسات التي تحاول استشراف مستقبل المنطقة العربية، فإن العديد منها لا يزال خاضعاً لنمط التفكير التقليدي ونادراً ما ينظر إلى الأمام، حتى مع اعتراف معظمها بأن فترة ما بعد الحرب الباردة وسقوط حائط برلين كانت بداية عهد جديد، بل إن البعض ذهب إلى حد القول بأن سقوط هذا الجدار، كان بداية ميلاد القرن الحادي والعشرين، أي أن هذا القرن بدأ قبل تاريخ مولده الرقمي بأحد عشر عاماً. إنه عالم جديد إذن بمشكلاته الجديدة كذلك.
هناك اتفاق عالمي الآن على أن إحدى أهم مشكلات النظام العالمي في السنوات القادمة ستكون مشكلة المياه التي وصلت إلى مستوى الأزمة العالمية في منطقتنا. فهناك تحديات مائية تواجه الدول العربية، ومنها على سبيل المثال الخلاف بين العراق (دولة المصب) وتركيا (دولة المنبع) بالنسبة لدجله والفرات.
الإحصائيات تقول إن أكثر من 17 دولة تعاني مشكلة ندرة المياه، وإن عشرةً منها تقع في منطقة الشرق الأوسط. المشكلة حادة في منطقتنا، لكنها انعكاس لأزمة مياه عالمية، خاصة في دول الجنوب، حيث تندر المياه وحيث يعيش أغلب سكان العالم وحيث يستهلك الفرد عُشر استهلاك نظيره من المياه في الدول المتقدمة (دول الشمال).
وتعود ندرة المياه إلى عاملين رئيسين: الأول ندرة طبيعية بسبب عدم وجود الأنهار أو الأمطار أو المياه الجوفية، وبالطبع يصعب إيجاد علاج محلي لهذا النوع من الندرة.
أما العامل الثاني، فهو ندرة اقتصادية في سُبل إدارة المياه الموجودة، سواء لحفظها من التبخر والإهدار أو للمحافظة على نوعيتها وحمايتها من التلوث. ويمكن للعامل الإنساني في هذه الحالة تقليل ندرة المياه هذه، حيث تقول تقديرات الأمم المتحدة إنه من ضمن 1.4 مليار كيلومتر مكعب من المياه متوافرة في العالم، لا يتجاوز المتاح منها للاستخدام الفعلي 200.000 كيلو متر مكعب أي السبع (1/7) فقط.
وستزداد الحاجة للمياه العذبة في الأعوام القادمة، بسبب زيادة عدد السكان والتقدم الاقتصادي والتنموي، حيث ثبت أنه مع زيادة مستوى التنمية، تكون هناك زيادة في استخدام المياه العذبة، سواء من جانب الفرد أو من جانب المجتمع ككل. لذلك، فإن أزمة المياه العالمية ستزداد حدة مع مرور الوقت، خاصة أن الوضع سيء بالفعل، حيث يوجد الآن حوالي 2.1 مليار من سكان العالم ما زالوا يفتقرون لمياه شرب آمنة، كما يموت كل يوم أكثر من 800 طفل بسبب الإسهال أو أمراض مرتبطة بحالة المياه.
لذلك بدأت الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية، مثل البنك الدولي، الاهتمام بالأزمة المائية لمنع استفحالها. وقد أعلنت الأمم المتحدة أن العقد 2005 -2015 هو عقد «المياه من أجل الحياة»، كما أعطى البنك الدولي في قروضه ومنحه أولوية لموضوع المياه، ما ساعد على تحقيق أحد أهداف «ألفية التنمية» وهو ذلك الخاص بخفض عدد السكان الذين لا يحصلون على المياه النقية إلى النصف خمس سنوات قبل موعده، أي في عام 2010 بدلاً من عام 2015. هناك إذن تقدم يبعث على التفاؤل بأن الأزمة يمكن مواجهتها.
نحن إذن على عتبة دبلوماسية عالمية جديدة، هي دبلوماسية المياه. ولأن الماء أصل الحياة، فإن دولاً كثيرة بقيت دون بترول أو موارد طبيعية أخرى، لكن مدناً وحتى حضارات اختفت بسبب العطش والجفاف، أي نقص المياه.