تشهد العاصمة الإسبانية مدريد منذ يوم الاثنين الماضي، ولمدة 12 يوماً، فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة الخامس والعشرين عن التغير المناخي، والذي سيشمل أيضاً الاجتماع الخامس والعشرين للأطراف المشاركة في الاتفاقية الإطارية لمكافحة التغيرات المناخية. وكان الاجتماع الأخير، الرابع والعشرون، للأطراف المشاركة، والذي عقد في «بولندا» في نفس الشهر من العام الماضي، قد ركّز على إتمام العمل في برنامج اتفاقية «باريس»، والذي هو عبارة عن مجموعة من القرارات الهادفة لتفعيل هذه الاتفاقية.
وتعرض المؤتمران -العام الماضي والحالي- لرياح سياسية قوية، تجسدت العام الماضي في انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، مما حدا بالصين إلى ملء الفراغ، وأخذ زمام المبادرة من خلال استضافة العديد من الاجتماعات التحضيرية في الأسابيع السابقة لانعقاد المؤتمر. وخلال هذه الأسابيع، وبالتحديد في نوفمبر 2018، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون قد بلغت 405 أجزاء في المليون عام 2017، وهو مستوى لم يشهده الكوكب خلال الثلاثة أو الخمسة ملايين سنة الماضية.
ولم يسلم مؤتمر العام الحالي أيضاً من تأثيرات الرياح السياسية، حيث كان مخططاً انعقاده في البرازيل، إلا أن قبل عام من انعقاده، قرر الرئيس البرازيلي المنتخب حديثا «جايير بولسونارو» الانسحاب من استضافة المؤتمر، نتيجة أسباب اقتصادية، على حد زعمه. مما حدا بتشيلي للتقدم بعرض لاستضافة المؤتمر، إلا أن المظاهرات والاضطرابات الاجتماعية التي اجتاحت هذا البلد الواقع في أميركا اللاتينية، اضطرت الحكومة لسحب عرضها بالاستضافة نهاية أكتوبر الماضي. وبناء عليه، وباتفاق جميع الأطراف، تقرر عقد المؤتمر في العاصمة الإسبانية خلال الشهر الجاري.
وبعيدا عن القوى والمتغيرات السياسية، يحمل التغير المناخي، أو بالأحرى الاحترار العالمي، في طياته تبعات وتأثيرات يتوقع لها أن تغير من شكل الحياة على كوكب الأرض. وتشمل هذه التبعات تغيرات فيزيائية، مثل تلك التي سيتعرض لها المناخ، والغلاف الجليدي في القطبين الشمالي والجنوبي، بالإضافة إلى المسطحات المائية من بحار ومحيطات. كما يتوقع للتغيرات المناخية تلك أن تترك بصمتها المميتة والمدمرة أحيانا كثيرة، على النظم البيئية، وعلى النظام الاجتماعي الإنساني، بما في ذلك إمدادات الغذاء، والموارد المائية، والهجرة والنزوح، والحروب والصراعات المسلحة. حيث يتوقع أن تكون التغيرات المناخية، وبالتحديد الصراع على موارد المياه العذبة، ضمن ما يعرف بحروب الماء، أحد أهم أسباب النزاع والصراع العسكري المسلح في المستقبل. ولن تسلم أيضاً النظم الاقتصادية والتجارة العالمية، والنظم الصحية من هذه التأثيرات، والتي يتوقع لها أن تكون فادحة التبعات.
فعلى الصعيد الصحي، يتوقع لأفراد الجنس البشري أن يتأثروا سلباً بالتغيرات المناخية، من خلال تغير أنماط المناخ، بما في ذلك درجة الحرارة، ومعدل سقوط الأمطار، وارتفاع مستوى البحر، ومعدل وقوع الكوارث المناخية من أعاصير، وفيضانات، وفترات قحط وجفاف. كما سيتأثر أفراد الجنس البشري بشكل غير مباشر من خلال التغيرات التي ستحدث في المتاح من موارد المياه العذبة، وفي نوعية الهواء والغذاء، وانهيار النظم البيئية، بالإضافة إلى التغيرات التي ستحدث في قطاعات الزراعة، والصناعة، والنظم الاقتصادية برمتها، وهي التغيرات التي ستمتد تبعاتها إلى النظم الصحية وقطاع الرعاية الصحية أيضاً.
حيث يقدر أن التغيرات المناخية كانت مسؤولة عن 3%من حالات الإصابة بأمراض الإسهال، وعن 3% من حالات الإصابة بطفيلي الملاريا، عام 2004. ويقدر أيضا أن التغيرات المناخية مسؤولة عن 0.2% من الوفيات، 85% منها كان بين الأطفال. وإذا وضعنا في الاعتبار تلوث الهواء، وحرائق الغابات، وموجات الحرارة الشديدة، فيمكن لنا أن ندرك مدى تأثير التغيرات المناخية على صحة الإنسان.
وأمام هذا الوضع، وعلى خلفية التبعات الصحية للتغيرات المناخية، أطلقت منظمة الصحة العالمية مشروعا لمراقبة مدى استعداد دول العالم، وبالتحديد قدرة نظم الرعاية الصحية في كل دولة، على التخفيف من عبء وقع هذه التبعات على المجتمعات المحلية والوطنية. ويهدف هذا المشروع إلى زيادة الوعي بين العامة بتبعات التغيرات المناخية، ودعم عملية اتخاذ القرارات المبنية على الأدلة والهادفة لتعضيد نظم الرعاية الصحية، ودعم مشاركة القطاع الصحي في الجهود الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، كالاتفاقية الإطارية الدولية للتغيرات المناخية، بالإضافة إلى دعم الجهود الرامية لتحسين مستوى الصحة بوجه عام، واتخاذ الإجراءات الهادفة لخفض انبعاث الغازات المسؤولة عن ظاهرة البيت الزجاجي، أو الاحترار العالمي، وما يتبعها من تغيرات مناخية متوقعة.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية.