لم تعد دولة الإمارات وطناً لأبنائها وحدهم، فقد أتاحت رحابتها لملايين المقيمين فيها، أن يشعروا بأنها وطنهم الثاني، وفيها وُلد أبناؤهم أو نشأوا، وتمثلوا قيمها، وبات نشيدها الوطني نشيدهم اليومي في مدارسهم وبيوتهم، ولم يشعروا قط بغربة في هذا الوطن، الذي يسود فيه عقد اجتماعي بات نموذجاً عالمياً للعيش الإنساني المشترك، حيث يلتقي أبناء نحو مائتي جنسية، ليشكلوا مجتمعاً يربط بين أفراده الإخاء الإنساني والتسامح الديني والفكري والتفاهم الاجتماعي، ويسود فيه القانون، ويحتضن فيه شعب الإمارات كل هذه الثقافات، باحترامه النبيل لخصوصياتها، ويسهم الجميع في حركة التقدم المستمر والتنمية المستدامة.
وفي هذه الأيام، وفي ذكرى نهوض دولة الإمارات، لا بد من إحياء ذكرى الآباء المؤسسين، وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وحُكام الإمارات الذين حققوا معه حلم إنجاز الوحدة، وبدأوا العمران، وشيدوا دولة حديثة تواكب العصر وتسابقه، وقدّموا خلال سنوات معدودة، ما يشبه المعجزة التنموية، بالمقارنة مع العديد من دول العالم الثالث، التي حظيت باستقلالها، وامتلكت ثرواتها، لكن مسيرة البناء والتقدم فيها لم تحقق الطموحات.
وأهم ما أنجزه المؤسسون الكبار هو بناء الإنسان، وكان سر النجاح الذي نضجت ثماره، هو الصدق في القول والعمل، وقد أدركوا أن الإنسان هو أهم الثروات، وهو الوسيلة والغاية والهدف.
لقد واجه المؤسسون، كل الصعاب المرحلية بروح العزم والتصميم، فتغلبوا على الفقر والجدب، مؤمنين بالله، وبقدرة الشعب على تجاوز كل المعوقات، للوصول إلى المستقبل دون تردد، مستفيدين من كل الطاقات، في سباق التنمية الأكبر.
كان النهوض بالتعليم، بوابة العبور ونقطة الانطلاق إلى الغد المنشود، فقد اهتم المؤسسون ببناء المدارس ثم الجامعات، التي سرعان ما أصحبت صروحاً ثقافية ضخمة، ينهل منها أبناء الإمارات ومئات الآلاف من أبناء المقيمين والوافدين، وهي اليوم تحقق مستويات عالمية في مقاييس الجودة، كما كان الاهتمام في تقديم الخدمات الصحية مفتاح الطمأنينة الاجتماعية، وقد بلغت الإمارات اليوم في المجال الصحي سوية عالمية منافسة لدول كبرى، وباتت مشافيها وخدماتها ومراكز الرعاية فيها نموذجاً تتطلع إليه الدول النامية، وكان نجاح الضمان الصحي الاجتماعي، والعناية بالطفل والمرأة، وإنشاء مراكز الأبحاث الطبية، وتأسيس الصناعات الدوائية، مشيراً إلى مستويات عالية في التقدم العلمي والرخاء الاجتماعي.
ولقد تجاوز حضور المرأة في مسيرة التنمية، ما تحلم به المرأة العربية، في العديد من الأقطار، فقد تمكنت المرأة الإماراتية من تحقيق مشاركة جادة وفاعلة في كل مناحي العمل، وشغلت المناصب الكبرى في وظائف الدولة والمجتمع، وباتت رائدة في ميادين الثقافة والفكر والسياسة، ومعلماً من معالم النهضة الإماراتية الحديثة.
وكان الآباء المؤسسون، قد أدركوا خطر أن تتحول الثروة إلى عبء على الإنسان، فجعلوها طاقة نمو كبرى، منطلقين من الإخلاص الوطني، وهذا ما افتقده بعض الساسة، الذين لم يحسنوا الإفادة من ثروات بلادهم، ولم يتمكنوا من تحقيق مصالحها، ولم يحسنوا التمسك بقيم العدل الاجتماعي.
لقد تمسك مؤسسو دولة الإمارات بمبادئ العدل والإحسان والخير والحق، وهي عناوين بارزة في ثقافتنا العربية الإسلامية، وهي التي تمثل طريق النجاة أمام الدول، التي أخفقت في تحقيق العدالة، وفشلت في تحقيق التلاحم بين الشعب وقادته، فكان هذا الاضطراب الخطير، الذي شهده العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فتحية لبناة دولة الإمارات، ولشعبها العظيم، في يومها الوطني، وتحية لمن يتابعون مسيرة التقدم بخطى واعية متسارعة، ويخدمون شعبهم بروح المحبة والتفاعل والمسؤولية الإنسانية.