نبدأ بالحقيقة المُرة، التي لا توجد دولة في العالم تريد القبول بها، ألا وهي قلب «أوراق السلام» الإسرائيلية على رؤوس أصحابها، نتفحص واقعة «احتلال فلسطين في النمسا»، على لسان الروائي الفلسطيني «مريد البرغوثي»، وهو يرويها:
«ذات يوم، كنت أشارك في ندوة في فيينا، غادرت مقعدي لإجراء مقابلة صحفية سريعة، وعدت لأجد سيدة تجلس مكاني، فإذا بها المحامية الإسرائيلية فيليسيا لانجر، المتخصصة في الدفاع عن المعتقلين الفلسطينيين، أدارت رأسها إلى الخلف، رأتني واقفاً، فقالت: يا إلهي! نحن متخصصون في احتلال أماكن الفلسطينيين حتى ولو في النمسا! (ص 185- 186من رواية «رأيت رام الله». مريد البرغوثي، 2017)
مرَّ على مشروع السلام الإسرائيلي للفلسطينيين، أكثر من نصف قرن من عمر الإنسان العربي والمسلم، فهو لا زال مجرد مشروع، رغم مرور الفلسطينيين بكل مراحله، التي سنشير إليها في برقيات سريعة.
في زمن «هرتزل»، صاحب براءة اختراع إسرائيل، وضعت أوراق المساومات والمواصفات القياسية للوليد، الذي زُرع في رحم غريب، وتمت رعايته من قِبل العالم الأكبر، حتى حانت ساعة الولادة القيصرية في (1947)، ومن ثم الاعتراف الرسمي من الدول المعتبرة في (1948)، وعلى رأسها أميركا.
تحمّلَ الفلسطينيون، من بعد ذلك، مجازر جنين «بسبب هذا» الجَنين الهجين، إلى قيام ساعة بيجن و«بج بن» أيضاً، في مشروعه الذي سماه «سلام القبور»، استمر هذا النوع من السلام المتجدد والمتجذر في الدم الفلسطيني، حتى مجيء «رابين»، الذي اغتالته إسرائيل، لأنه أراد أن يتقدم نحو السلام خطوة.
استلم الراية من بعده، «بيريز» الذي بشر العالم من حوله بـ «الشرق الأوسط الجديد»، الذي تصبح فيه إسرائيل غرساً طبيعياً، ولست نبتة «برية منبتة».
ذهب مشروع «بيريز» حيث ذهب، ولم تحل حمامة السلام على أرض السلام، حتى حلَّ مشروع «نتنياهو» محل سلفه باسم «القرش الرادع»، الذي شطر الباقي من فلسطين إلى الضفة وغزة «بترتيب من شارون».
«فهذا المشروع الصهيوني، أصبح لعقود جزءاً من حديث السياسة، والتكهن بتطورات الأحداث لا ينتهي، وسيظل كذلك إلى حقب طويلة، السياسة تسربت إلى منمنمات النفس الجوانية عند رجالنا ونسائنا، منذ وقف المشروع الصهيوني يدق على زجاج نوافذنا بأظفاره الحادة، ثم على الأبواب التي ركلها، ليدخل إلى غرف الدار كلها، ويلقي بنا إلى الصحراء» (ص 141 البرغوثي 2017)،
في 2002، وضع العرب بين يدي إسرائيل اتفاقية السلام الشامل والكامل، بشرط إعطاء الفلسطينيين دولة مستقلة، نحن اليوم في 2019، ويريد نتنياهو توهان العرب جميعاً في الصحراء، لذا فهو لا يتجه نحو السلام، بل عازم للاتجاه نحو ضم وادي الأردن كذلك.
يصف «البرغوثي» شبيهاً لهذا الوضع، في قوله: «اندفاع فلسطين في طرقات مستقبلها أعيق بفعل فاعل، كأن إسرائيل تريد أن تجعل الجماعة الفلسطينية كلها ريفاً لمدينة إسرائيل، لا بل إنها تخطط لرد المدن العربية كلها، إلى ريف مؤيد للدولة العبرية» (ص176، البرغوثي 2017).
قبل «إسرائيل»، كان اليهود يعيشون في كل أنحاء الأرض كـ «الأقزام»، لا يكاد أحد رؤيتهم لأنهم كانوا مجرد كيان معزول عن الكل، جاءت الصهيونية خلال مائة عام، وخلقت «إسرائيل» من عدم البشر، لكي تتضخم «على ظهور العرب والمسلمين، وليس على حساب أوطان من ساهموا في إتقان صناعتها، والتفنن في طرد «الأغيار» من حولها».
«إن العالم كله يمارس ضغوطاً ضد الفلسطينيين في الحرب وفي السلم، بينما لا أحد يضغط على إسرائيل، نذهب للتفاوض، نطلب خطوة من رئيس وزرائهم فيرفض، نغادر الجلسة ونشكو أمرنا لزوجاتنا، ولبعض الصحفيين الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً، بينما السيد رئيس وزراء إسرائيل يغادر مائدة التفاوض لينام في... القدس». (ص184 البرغوثي، 2017).