باريس ليست كوبنهاجن، لكن عمدة العاصمة الفرنسية «آن هيدالجو»، تدرك المشكلة، وتحاول حلها، ومع تبرّم سكان باريس من الاختناقات المرورية، وأعمال البناء المزعجة، فإن العمدة غير آسفة بشأن إعادة تشكيل نظام النقل، ليكون على غرار مثيله في العاصمة الدنماركية، المدينة الأكثر استخداماً للدرجات في العالم، وفي مقابلة معها، الأسبوع الماضي، قالت هيدالجو: إن إبعاد السيارات من بعض شوارع باريس، لصالح استخدام الدراجات والحافلات «هو ما يجب أن نفعله»، لخفض التلوث، وتعزيز نوعية الحياة، ومساعدة الشركات.
لكن رؤية هيدالجو لمدينة أكثر مراعاة للبيئة، وأكثر ملاءمةً للعيش، ستواجه اختباراً في الانتخابات البلدية، المقرر إجراؤها في شهر مارس المقبل، وربما ستحتم على العمدة الاشتراكية، التي لم تقل ما إذا كانت ستسعى للحصول على فترة ولاية جديدة أو لا، أن تواجه منافسين، من بينهم عضو الحزب الحاكم «بنيامين جريفو»، وعالم الرياضيات «سيدريك فيلاني»، ومرشحة الجمهوريين «سيدريك فيلاني»، بحسب ما تظهر استطلاعات الرأي.
وبينما أغضبت خططها سائقي سيارات الأجرة، وأصحاب السيارات والمعارضين السياسيين، وجعلتها ضحية للعروض الساخرة، تجد الدراسات الاستقصائية أن غالبية الباريسيين يدعمون سياسة المواصلات، التي تتبعها في مدينة تمتلك كل أسرة من بين ثلاث أسر فيها سيارة، بينما تعود بعض الطرق إلى الأزمنة الرومانية.
وقال «جان-فيليب دوبرول»، مدير الدراسات في شركة استطلاعات الرأي الفرنسية «إيفوب»: «هناك بطاقة يمكن استغلالها تتعلق بالبيئة والاستدامة، وقد فهمت آن هيدالجو هذا جيداً». واستطرد قائلاً: «إن هيدالجو لديها سياسة مضادة للسيارات، وهي تريد أقل عدد من السائقين في باريس».
خارج مبنى بلدية هيدالجو، يوجد ممر للدراجات تم الانتهاء منه في شهر سبتمبر الماضي، وهو الآن يستوعب الآلاف من راكبي الدراجات كل يوم بين ميدان الباستيل (موقع السجن الذي تم اقتحامه خلال الثورة الفرنسية)، وميدان الكونكورد (حيث تم إعدام الملك لويس السادس عشر)، تقول العمدة: إن معدل ركوب الدراجات في المدينة زاد بنسبة 54%، في شهر سبتمبر، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، بينما تنخفض حركة السيارات بنسبة 5% سنوياً.
وقد تم انتخاب هيدالجو في عام 2014، بناءً على برنامج انتخابي عنوانه «باريس تجرؤ»، ووعدٍ بإنفاق 10 مليارات يورو (12.1 مليار دولار)، على التعليم والإسكان الميسور والنقل العام، وتتمثل العناصر الأكثر وضوحاً العمدة المدينة في إصلاح سبعة ميادين رئيسية، وإغلاق جزء من ضفاف نهر السين أمام السيارات، ما أثار شكاوى صاخبة من طرف السائقين.
وقد أضافت العمدة، مئات الكيلومترات من ممرات الدراجات، رغم عدم تمكنها من مضاعفة المسافة إلى 1400 كم، وإعادة تجديد التقاطعات الرئيسية، مثل ميدان الباستيل لزيادة المساحات المخصصة للسير والمساحات الخضراء، وكثيراً ما تحضر هيدالجو، التي تتجول في سيارة «رينو زوي» كهربائية، افتتاح امتداد جديد لممر الدراجات.
وقد أثار قرار العمدة، بإغلاق جزء من ضفاف نهر السين أمام السيارات طعناً قانونياً، منِيَ في البداية بهزيمة في المحكمة، أعقبها انتصار، ودعا لوبي السائقين أعضاءه إلى إغراق هواتف مبنى البلدية، احتجاجاً على قرار الإغلاق، والآن، تريد هيدالجو الذهاب لأبعد من ذلك، أي تحويل وسط باريس إلى منطقة للمشاة، وتخليص المدينة من السيارات، التي تعمل بالديزل بحلول عام 2024، ومن جميع محركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2030.
وقد شرعت باريس، التي تحتل المرتبة الخامسة عالمياً، من حيث عدد الساعات التي يضيعها الركاب في الازدحام المروري، في تنفيذ «سياسة صارمة بشكل خاص»، تتمثل في زيادة الأماكن العامة، وفقاً لشركة «إينركس» لتحليل حركة المرور، وفي حين أن هذا يجعل المدينة واحدة من أسوأ المدن بالنسبة لسائقي السيارات، إلا أنها تقدمت بخمس مراتب، لتحتل المركز الثامن في مؤشر كوبنهاجن للمدن الأكثر استخداماً للدراجات هذا العام.
وقد جمعت هيدالجو، مبالغ طائلة لتنفيذ خطتها لتزيد بذلك حجم الديون، وقالت: إن أسعار الفائدة المنخفضة تجعل هذا وقتاً مناسباً للمدن للاقتراض من أجل المستقبل.
وفي عام 2015، استضافت باريس مؤتمر «كوب 21» للمناخ، حيث أصدرت المدينة أول سنداتها الخضراء، وجمعت 300 مليون يورو، واستثمرت العائدات في تنفيذ مشاريع تتضمن تمديد خط الترام، وإضافة مسارات للدراجات، وزيادة المساحات الخضراء، وتثبيت مصابيح إضاءة أقل استهلاكاً للطاقة.
وقال «نيكولاس ميلويكوفيتش»، محلل بشركة «فيتش»، التي ثبتت تصنيف المدينة هذا الشهر عند AA مع نظرة مستقبلية مستقرة: إن المدينة تقترض لتنفيذ «استثمارات من أجل تحقيق النمو، وأيضاً لتحسين البيئة المعيشية».
وقد حافظت العمدة، على الوعود التي قطعتها في الانتخابات بعدم زيادة الضرائب المحلية، حتى مع انخفاض حجم المساعدات الحكومية، وتتوقع المدينة ديوناً بقيمة 5.9 مليار يورو، نهاية عام 2019، أي بزيادة قدرها 2.2 مليار يورو، مقارنة بعام 2013، ومن المتوقع أن تشهد ميزانية هيدالجو النهائية ارتفاعاً في الدين، ليبلغ 6.14 مليار يورو، بنهاية عام 2020.
رودي روتينبيرج*
*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»