على رغم أن الأردن يقع في منطقة «عالية المخاطر»، وتحمل الكثير من نتائج التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، متأثراً بالتداعيات السلبية الناتجة عن الأزمات التي تشهدها، وبخاصة كل من العراق وسوريا باعتبارهما البلدين الجارين الأكثر تأثيراً على مسيرة حياة الأردنيين نتيجة الترابط الكبير بين البلدان الثلاثة، فقد جاء ضمن قائمة أفضل ثلاثة بلدان في العالم تحسيناً لمناخ الأعمال، وفق تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، واستفاد من هذه الميزة «التفاضلية» بعقد جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل جديد مدته ثلاث سنوات لحفز النمو المتوقف عند 2%. وتم الاتفاق بين الجانبين على استئناف المفاوضات في أواخر يناير المقبل للبحث في تفاصيل البرنامج وحجم مساعدات التمويل.
إذا كان الأردن تمكن من تجاوز بعض النتائج السلبية للتوترات السياسية والأمنية في المنطقة، وبكل مرونة، فذلك يعود إلى أسباب عدة، أهمها المساعدات الخارجية الاستثنائية التي تلقاها من الدول الشقيقة والصديقة، ولكنه في الوقت نفسه تحمل أعباء تلك النتائج التي أسهمت ببطء نمو اقتصاده، خصوصاً مع الزيادة الكبيرة لعدد سكانه الذي بلغ نحو سبعة ملايين نسمة. ويرتفع هذا العدد إلى نحو 11 مليون نسمة، بإضافة 1,4 مليون لاجئ سوري، ونصف مليون عراقي، فضلا عن مليوني لاجىء فلسطيني من غير الأردنيين، و45 ألف يمني و35 ألف ليبي، علاوة على أعداد أخرى من أقطار عربية وإسلامية. وهو يعاني من عجز مالي متراكم وارتفاع غير مقبول في حجم الدين العام. وفي نهاية العام الماضي شدد صندوق النقد على ضرورة تقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي من 96% إلى 77%، ولكن الذي حصل عكس ذلك، إذ سجل الدين ارتفاعاً خلال 9 أشهر من العام الحالي بنسبة 7% إلى 42.38 مليار دولار في سبتمبر الماضي، مشكلا نسبة 96.7% من الناتج، وينتظر أن ترتفع مع الاقتراض لتغطية عجز موازنة العام المقبل البالغ 1.15 مليار دولار، علما أن الحكومة تعهدت بتخفيض النسبة إلى 92.4%، وهو رقم كبير مقارنة مع «القاعدة الذهبية»، التي حددها الاتحاد الأوروبي في ميثاق «ماستريخت» بمعدل 60%.
سبق للأردن أن وقع على برنامج تمويل من الصندوق في أغسطس 2016 ومدته ثلاث سنوات، يحصل خلالها على قرض قيمته 723 مليون دولار، على أن يرتبط الصرف بمدى التزام الحكومة بتنفيذ شروطه، وقد تأجل التنفيذ عدة مرات، بسبب رفض الأردن تنفيذ الشروط. وهذا الأمر يحصل لأول مرة منذ 30 عاما، عندما حصل الانهيار الكبير لسعر صرف الدينار مقابل الدولار، وكانت نتائج تلك التجربة، سلبية جداً ومخيبة لآمال الأردنيين الذين يتخوفون من موجة ارتفاع أسعار جديدة وبلوغ التضخم مستويات مرتفعة، تنعكس تراجعا بقوة الدينار الشرائية، وعدم القدرة على الوفاء بالتزامات الديون الخارجية للدول المانحة. مع العلم أن برامج الصندوق التي طبقت في السنوات الماضية، لم تحقق أهدافها المرجوة، فالبطالة ارتفعت، وكذلك نسبة الفقر، وتراجعت معدلات النمو، (وفق دراسة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية).
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية