كما هو متوقع يا للأسف، ضرب الإرهاب مجدداً في ولاية فلوريدا الأميركية وقتل عدداً من الجنود في قاعدتهم العسكرية، ومع أن التحقيقات لم تنته بعد إلا أن المنفذ سعودي التحق بالتدريب في تلك القاعدة قبل يومين فقط من ارتكابه لجريمته الشنعاء، وقد عمل منفرداً، كما تصريحات المسؤولين الأميركيين.
استنكرت السعودية هذه الجريمة رسمياً وشعبياً، واتصل خادم الحرمين الشريفين بنفسه بالرئيس ترامب معزياً ومؤازراً وواعداً بالتعاون لكشف أي ملابساتٍ قد يحتاجها الجانب الأميركي، وقد ثار السعوديون ثورة عارمة ضد هذا الفعل الهمجي الإرهابي المتوحش وكانت ساحات مواقع التواصل الاجتماعي خير معبرٍ عن حالة الغضب السعودي الواسع من هذا الفعل الإرهابي.السعوديون وإخوانهم في كافة دول الخليج يحبون الشعب الأميركي، فهو أقوى حليف لبلادهم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، فهو الذي اكتشف لهم النفط الذي غير حياتهم وتاريخهم إلى الأفضل، وفي أميركا درسوا ويدرس أبناؤهم وأحفادهم أدق العلوم وأفضل التخصصات وينالون الشهادات العليا التي تبقى معهم طوال العمر يخدمون بها وطنهم وأهلهم.
لم يتأثر الشعب السعودي بالعداء الشعاراتي لأميركا الذي كان يطلقه اليسار الأحمق والقوميون و«البعثيون» والناصريون الذين فشلت كل مشاريعهم ولم تورث بلدانهم وشعوبهم إلا الخيبة والخسار، ولم ينشأ العداء الديني المسيّس للغرب وأميركا تحديداً إلا بعد نشوء جماعات «الإسلام السياسي» وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين» وورثتها من التنظيمات الإرهابية.
لن ينتهي الإرهاب ما لم يتم القضاء المبرم على منابعه وجذوره المتمثلة في جماعات الإسلام السياسي وداعميها المعروفين في المنطقة والعالم، وهو ما بادرت به الدول العربية المعتدلة في السعودية والإمارات ومصر حين صنّفت جماعة «الإخوان المسلمين» جماعةً إرهابيةً، ولن ينتهي الإرهاب حتى تقتنع الدول الغربية بضرورة وأهمية هذه الخطوة وتطبقها على الواقع.
العلاقات بين «الإخوان المسلمين» والدول الغربية متذبذبة منذ نشوء الجماعة، فأول دعم مادي كبيرٍ قدّم للجماعة كان من بريطانيا بخمسمائة جنيه استلمها حسن البنا بنفسه، ثم أخذت الجماعة تهاجم «الغرب» مرةً باسم «الصليبية» و«التنصير» ومرةً باسم «التغريب» و«المؤامرة» على المسلمين، وكان كثير من تنظيرات سيد قطب ومن قبله المودودي تصب في هذا الاتجاه.
مشكلة جماعات «الإسلام السياسي»، هو أنها ليست جماعاتٍ دينيةٍ فعلاً، ولكنها جماعات تستخدم الإسلام لخدمة أغراضها السياسية، وبالتالي فهم عملياً قدموا خدماتٍ جلّى للدول الغربية وإسرائيل واتضح هذا بشكل كبير بعد ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، ومن قبل كانت الدول الغربية هي الملاذ الآمن لقيادات ورموز الإسلام السياسي، توفر لهم الملاذ الآمن والسكن والأموال لأنها كانت تعتقد أن شرهم على دولهم فقط، ولن يصل للدول الغربية.
ما يقوله هذا الحدث الإرهابي ويؤكده غيره كثير مما جرى من قبل وما سيجري لاحقاً، هو أن الإرهاب لم ينته بعد، ولن ينتهي قريباً، بل هو بحاجة لاستراتيجيات شاملة تمتد في المكان والزمان لضمان الحد منه إلى أقل مستوى ممكن.
دول الاعتدال العربي، وعلى رأسها السعودية وحلفاؤها بحاجة ماسةٍ أن يكون لهم صوتٌ مسموعٌ في الإعلام الأميركي، يدافع عن قضاياها ويظهر حقائق سياساتها ومواقفها، ويوضح للمواطن الأميركي حجم الخديعة الذي يمارس عليه من قبل اليسار المعادي بطبيعته للملكيات واليمين السياسي في العالم أجمع.
هذه الحقائق يجب استحضارها في هذا السياق، بغض النظر عن النتائج التفصيلية التي ستكشفها التحقيقات لأنها تنطبق على ظاهرة الأصولية والإرهاب المعاصر برمتها، وهي ما أكده التراكم الطويل.
أخيراً، فقد قامت السعودية بدورها في محاربة الإرهاب بجدارة، وهي تتجه لقيادة الاعتدال ونشر التسامح وبناء النموذج المستقبلي المتطور والملهم لدول المنطقة وشبابها.