جريمة بشعة تلك التي ارتكبها العسكري السعودي المتدرب محمد سعيد الشمراني عندما أطلق رصاص مسدسه على زملائه في صباح اليوم الجمعة الماضي بمحطة بنساكال الجوية البحرية، مدمراً بذلك حياة ثلاث عائلات ترتبط بهؤلاء الرجال الثلاثة. ثم لم يطل المقام بالقاتل، فبعد قتله لثلاثة أشخاص وجرح عدة آخرين قام أفراد شرطة فلوريدا بإطلاق النار عليه وقتله، ليضيف عائلة رابعة ستعاني الأمرين من تداعيات هذه الجريمة.
ثم صدرت تصاريح عن مسؤولين حكوميين أميركيين وسعوديين في مساء الجمعة نفسه تقول بأن محمد سعيد الشمراني كان يتدرب في الولايات المتحدة وفقاً لبرنامج التدريب على المبيعات العسكرية الخارجية للقوات الجوية الأميركية الممولة من المملكة العربية السعودية. وقد بدأ البرنامج التدريبي للشمراني في أغسطس 2017 وكان من المقرر أن ينتهي في أغسطس عام 2020 لكنه اختار هذه النهاية البائسة التي لم تكن بالحسبان. برنامجه التدريبي كان يشتمل على اللغة الإنجليزية ودروس الطيران الأساسي والتدريب الأولي التجريبي، بمعنى أن الوطن كان يستثمر فيه ليكون شيئاً نافعاً، لكن حياة الشمراني انحرفت بشكل خطير لتكون النهاية المأساوية يوم الجمعة، والتي انعكست على ما هو أكبر من حياة الشمراني الخاصة.
ما أن وقعت الحادثة حتى تحرك دعاة الإسلاموفوبيا Islamophobia يدفعهم الخوف والغضب والرغبة في إطلاق الأحكام العامة، رغم أنه يوجد في الولايات المتحدة الأميركية ما لا يقل عن (3.45) مليون مسلم، فلو كانت المشكلة في الإسلام نفسه لوجدنا أن نسبة الجرائم أكبر، ولأصبحت نسبة الإرهابيين في هؤلاء الـ (3.45) مليون مسلم أعلى، لكن الأرقام تقول إن نسبة قليلة جداً من هؤلاء المسلمين هي من يمكن أن ترتكب أعمالاً إرهابية. هل ستعود الولايات المتحدة إلى التضييق على العرب والمسلمين الذين يعيشون على أراضيها على غرار ما حدث ضمن تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001؟ يبدو أن هذا مستبعد إلى حد ما، فقد تعلم الجميع درساً ثقيلاً متعباً جعلهم (كل الأميركيين سواء من المسلمين أم من غيرهم) يصلون إلى نقاط أكثر إنسانية، بحيث لا يمكن أن تعود أميركا إلى برنامج أخذ الجميع بالشبهة.
في المقابل، إنْ نحن دافعنا عن عموم المسلمين، فإن الحماس لن يأخذنا لندافع عن الخصوص، فالجماعات الإرهابية التي ملأت القلوب بالكراهية وبحب الانتقام قد كرست خطاباً أيديولوجياً ينخر في مجتمعاتنا، ويشيع فيها أن مثل هذا الغدر الذي قام به هذا المتدرب بزملائه عمل مقبول، وأن دماء غير المسلمين مباحة. يجب أن يكون لدينا موقف من مثل خطابات الكراهية هذه، فالكراهية لا تنتج إلا الكراهية، ولن نجني من مثل هذه العمليات الانتحارية إلا الشوك الذي يضر بنا وببلادنا.
من جهة أخرى، من الضروري أن تكون هناك لجان مشتركة تبحث في دوافع القاتل، وأن يقوم أحد بدراسة حياته ومن أين استقى فكره وما نوع التعليم الذي تلقاه، وهل كان سوياً من ناحية نفسية. مثل هذه الدراسة ستبين ما إذا كان هذا المتدرب قام بما قام عن اجتهاد شخصي، وهذا مستبعد، أم أنه وهو الجاني، كان ضحية لخطاب الإسلاميين السياسيين، وممن تأثروا بشعارات الاستهتار بالحياة الإنسانية.