جلسات العزل ضد الرئيس دونالد ترامب، بدأت في مجلس النواب الأميركي، فبعد جلسات الاستماع الأولية، التي عقدت في لجنتي الاستخبارات والقضاء التابعتين للمجلس، أُعدِّت تهمتان من أجل النقاش والتداول، الأولى تتهم ترامب بسوء استخدام السلطة، أما الثانية، فتتهمه بعرقلة عمل الكونجرس، ويُعتقد أن لجنة القضاء في مجلس النواب، ستقوم بتمرير التهمتين على أساس حزبي ضيق، ثم ترسلهما إلى جلسة كاملة لمجلس النواب من أجل مناقشتهما، ومرة أخرى، فإن كل الديمقراطيين، في ما عدا بعض الاستثناءات، من المتوقع أن يصوتوا لصالح العزل، في حين من المتوقع أن يصوّت كل الجمهوريين بـ«لا».
وفي السنة الجديدة، ستنتقل القضية إلى مجلس الشيوخ الأميركي، حيث ستجرى محاكمة تحت رئاسة رئيس المحكمة العليا، جون روبرتس، وخلال جلسات الاستماع هذه، التي ستجرى في مجلس الشيوخ، سيمثّل ترامب من قبل محام، وسيستدعى الشهود باسمه، وفي غياب معلومات جديدة مذهلة بشأن سلوك ترامب، فإنه من غير المحتمل أن يدين مجلس الشيوخ الرئيس، وذلك على اعتبار أن «الجمهوريين» يملكون أغلبية صغيرة، والقانون ينص على ضرورة أن يصوّت ثلثا مجلس الشيوخ لصالح العزل، قبل أن تتسنى تنحية الرئيس من منصبه.
تحت هذه الظروف، سيدّعي ترامب النصر، وسيستغل موضوع العزل لتقوية حملة إعادة انتخابه، محاججاً بأنه كان ضحية حملة «لمطاردة الساحرات» من قبل «الديمقراطيين» و«الدولة العميقة»، منذ اللحظة التي تقلد فيها المنصب، وبالنظر إلى قوة الاقتصاد الأميركي، فيستطيع ترامب أن يحاجج على نحو مقنع بعض الشيء، بأنه يستحق أربع سنوات أخرى في المنصب، وقد ينجح في ذلك، على اعتبار أن أرقام الاقتصاد الأميركي جيدة، في ظل رقم قياسي بخصوص خلق الوظائف، ومعدل قياسي بخصوص انخفاض البطالة، وسوق أسهم آخذة في الارتفاع.
ولكن أين يمكن أن تكمن المشكلة؟ أولاً، رغم قوة الاقتصاد، إلا أن الرضا الشعبي عن أداء ترامب على الصعيد الوطني الأميركي في استطلاعات الرأي ما زال في حدود منتصف الأربعينيات، وهو رقم جد ضعيف، بالنسبة لرئيس يشرف على مثل هذا الاقتصاد القوي، ثانياً، الاقتصاد نفسه حسّاس لعدد من الأحداث، التي يمكن أن توقف الاتجاهات الحالية بسرعة وتعكسها، وعلى سبيل المثال، فإن الفشل في تأمين اتفاقية تجارة طويلة الأمد مع الصين، من شأنه إحداث اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية، مثلما من شأنه إدخال جو من التشاؤم على ثقة الشركات وثقة المستهلك.
والنتيجة ستكون نمواً بطيئاً أو حتى سلبياً، وهذا بدوره من شأنه أن يؤثر في التوظيف، وبالتالي معدل التشغيل، كما يمكن لأزمة كبيرة في الشرق الأوسط، تتعلق بإيران وجيرانها والولايات المتحدة، أن تتسبب في ارتفاع مؤقت في أسعار النفط العالمية، وهو ما سيكون له تأثير فوري على أسعار الاستهلاك وثقة المستهلك، وعلاوةً على ذلك، يمكن لأزمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، حول برنامجي بيونج يانج النووي والصاروخي، أن تتسبب أيضاً في اضطراب كبير في الاستقرار الاقتصادي لشرق آسيا ومناطق أخرى، وغني عن البيان أن بعض هذه الأحداث يمكن أن تضر باقتصادات بعض الولايات، التي تشكّل ساحة لمعارك انتخابية مهمة، يحتاج إليها ترامب من أجل الفوز في انتخابات نوفمبر، حتى يعاد انتخابه.
والأكيد أن الكثير سيتوقف على من سيختاره «الديمقراطيون»، ليكون مرشحهم لتحدي ترامب،
غير أنه في الوقت الحالي هناك قلق من أن المرشح «الديمقراطي» الأوفر حظاً، نائب الرئيس جو بايدن، أكبر سناً (77 عاماً)، وأكثر عرضة للأخطاء، من أن يصمد في وجه الهجمات الشرسة التي سيشنّها عليه ترامب، والواقع أن بايدن يحظى بشعبية واسعة بين الأميركيين الأفارقة، الذين يُعدون كتلة ناخبة أساسية بالنسبة لـ«الديمقراطيين»، كما أنه يحتل نتائج جيدة في استطلاعات الرأي بولايات بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغن الشمالية الحاسمة، وربما إذا اختار امرأة قوية كنائبة ممكنة للرئيس، سيستطيع تجاوز نقاط ضعفه والفوز.

*مدير البرامج الاستراتيجية في مركز «ناشونال انترست»- واشنطن