«هو كتاب استثنائي ويمثل تحدياً فكرياً وسيغير الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى المجتمعات العربية والإسلامية»، ذلك هو تصريح الموقع العالمي «بارنز آند نوبل» للكتب الإلكترونية عن الكتاب المتميز الذي صدر في العام 2015 وما زالت أصدائه تصل لمختلف المجتمعات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والروسية والصينية ومن المؤكد أنه سيصدر بعدة لغات أخرى نظراً لما يمثله من ثقل فكري وأكاديمي. وقد وضع مؤلف الكتاب، سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، نصب عينيه من البداية وضوح الأفكار وتسلسلها وبساطة الأسلوب والكلمات، لكي يصل إلى أكبر شريحة ممكنة في كافة دول العالم. أضف إلى ذلك، حرص المؤلف على إصدار طبعة خاصة يتم بيعها بثمن بسيط للغاية، ويذهب ريعها للجمعيات الخيرية. ولذلك، فنحن أمام حالة فريدة من المفكرين العرب يسعى صاحبها إلى إرساء قاعدة جديدة في قواعد النشر والتوزيع وهي: العقل العربي قبل المال، وحماية الأجيال العربية قبل الفرحة بأرقام التوزيع.
واللافت للنظر أنه على مر العصور، صدرت كتب ناقشت بشكل مفصل التطورات السياسية في الدول العربية وخاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام وسائل مختلفة للوصول للشعوب العربية لأغراض شخصية تمهيداً للجلوس على سٌدة الحكم، ولكن بعض تلك الإصدارات مر عليها المواطن العربي مرور الكرام بغرض القراءة ومعرفة ما مر من أحداث تاريخية ذات صبغة سياسية. ولكن الوضع يختلف كلية مع كتاب «السراب»، ومؤلفه الذي اجتمعت فيه سمات العلم والثقافة والنظرة الاستراتيجية الثاقبة والقراءة العميقة لواقع العالم العربي عامة وجماعات الإسلام السياسي خاصة. ولذلك جاء كتاب «السراب» الذي يوصف بأنه يكشف زيف وتضليل الجماعات الإسلامية السياسية بشكل عام و«الإخوان المسلمين» بشكل خاص. ولكن، برأيي، فإن «السراب» بجانب كونه كتاباً علمياً تحليلياً شاملاً فهو أيضاً نهج وموسوعة ومرجع يستفيد منه الجيل الحالي وأجيال المستقبل عند بحثهم عن حقائق جماعات الإسلام السياسي.
ويضم كتاب «السراب» أربعة أبواب تحتوي سبعة فصول ورؤية ختامية، ويبدأ السويدي بعرض خلفية اتخاذه قرار الشروع في تأليف الكتاب ثم يعرض العديد من الطروحات المهمة ومنها خريطة تمثل الانتشار الجغرافي لأهم الجماعات الدينية والسياسية في العالمين العربي والإسلامي، بجانب مناقشة الإسلام السياسي بين الواقع والخرافة وبدايات ظهوره في القرن العشرين الميلادي، مع إبراز العلاقة التاريخية والصراع الدائم بين الدين والسياسة من خلال مسألة فصل الدين عن السياسة أو الدولة، والتي ظلت تشكل حتى يومنا هذا محوراً مهماً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة مع بلوغ تيار الإسلام السياسي إلى الحكم في بعض الدول العربية، ثم يستعرض الكتاب أبرز جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي من ناحية تاريخ نشأتها وانتشارها وأهدافها والوسائل، التي تتبعها لتحقيق تلك الأهداف وهي جماعة «الإخوان» والتيار السلفي وجماعة «السروريون» بجانب التنظيمات المتطرفة ومن أبرزها «القاعدة» وتنظيم «داعش»، كما يعرض المؤلف نتائج دراسة ميدانية أجراها حول اتجاهات الرأي العام العربي حول الجماعات الدينية السياسية، ثم تأتي الرؤية الختامية للمؤلف في نهاية الكتاب لتؤكد إن الجماعات الدينية السياسية لطالما حاولت فرض أفكار على مجتمعاتها باسم الدين، وبأنه كلما اقتربت تلك الجماعات من تحقيق حلمها بالسيطرة على الشعوب كلما ابتعدت بفضل ممارساتها عن هذا الحلم.
إذن فـ «السراب» هو لمن يرى أن الجماعات الدينية السياسية تستطيع إصلاح الأوضاع السياسية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق طموحات التنمية. وهو «السراب» أيضاً للجماعات الدينية السياسية، التي تعتقد أن بإمكانها تحقيق حلمها، ولكنها تفشل دوماً بسبب العزلة الفكرية، التي تفرضها على نفسها وعدم وجود حلول واقعية للمشكلات التي تواجه مجتمعاتها.