أكثر ما يثير الخوف في أحداث السياسة الأميركية، ليس اكتشاف أن الرئيس أساء استخدام سلطته، بل اكتشاف الفساد الذي طال الحزب «الجمهوري»، الذي اختار تبني نظريات المؤامرة. ورغم هذا، فأكثر التقارير إثارة للهلع، التي رأيتها في الآونة الأخيرة، تتعلق بالعلم وليس السياسة. فقد توصل تقرير اتحادي جديد إلى أن تغير المناخ في المنطقة القطبية يتسارع، ليضاهي ما كان يعتبر أسوأ التوقعات. وهناك مؤشرات على أن ارتفاع حرارة المنطقة القطبية قد يتحول إلى دورة تدعم بعضها بعضا؛ لأن ذوبان الجليد هناك، ربما يطلق في حد ذاته، كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. والارتفاع الكارثي لمستويات البحر وموجات الحرارة التي تجعل مراكز السكان الرئيسية في العالم غير قابلة للسكنى، وغيرها من الأمور، يبدو حدوثها الآن أكثر احتمالاً وبسرعة أكبر. لكن الصلة وثيقة بين الأنباء السياسية المروعة والأنباء المناخية المروعة. فلماذا فشل العالم في اتخاذ إجراء ضد المناخ ومازال عاجزاً عن العمل، رغم أن الخطر أكثر وضوحاً؟
أحد الأسباب الرئيسية يتمثل في المعارضة المتعنتة من «الجمهوريين» في أميركا لتغير المناخ. وبسبب هذه المعارضة، لم تفشل الولايات المتحدة فحسب في القيام بدور القيادة الضروري للتحرك الدولي، بل أصبحت قوة معرقلة للتحرك أيضاً. وإنكار «الجمهوريين» لتغير المناخ تمتد جذوره إلى الفساد السياسي. فقبل فترة طويلة من الصراخ بشأن «الأنباء الزائفة»، كان «الجمهوريون» يرفضون قبول نتائج العلم التي تتعارض مع تحيزاتهم. وقبل فترة طويلة، بدأ «الجمهوريون» يعزون كل سلبية إلى آليات «الدولة العميقة»، وأصروا على أن فكرة ارتفاع حرارة الكوكب، ما هي إلا مؤامرة كبيرة تحيكها عصابة دولية كبيرة من العلماء الفاسدين.
وقبل وصول ترامب إلى السلطة بقليل، كان «الجمهوريون» يستخدمون سلطتهم السياسية لمضايقة علماء المناخ. وأحياناً، إذا سمحت الظروف، كانوا يجرمون ممارسة العلم نفسه. وربما لا غرابة في أن بعض المسؤولين عن هذه الانتهاكات يعملون حالياً في إدارة ترامب. ومن المثير للاهتمام، أن «كين جوتشينلي» طارد لفترة طويلة- حين كان نائباً عاماً لولاية فيرجينيا- عالم المناخ مايكل مان. وجوتشينيلي يعمل الآن في وزارة الأمن الداخلي، حيث يطبق سياسات مناهضة للمهاجرين. لكن لماذا أصبح «الجمهوريون» حزب تدمير المناخ؟ المال جزء مهم من الإجابة. ففي الدورة الحالية، تلقى «الجمهوريون» 97% من المساهمات السياسية والدعم من صناعة الفحم و88% من صناعة الغاز والنفط. هذا بخلاف الخدمات التي يقدمها أقطاب صناعة الوقود الأحفوري الآخرين.
لكني أعتقد أن هذا لا يتعلق بالمال فحسب، بل أشعر أن «اليمينين» يعتقدون، وربما اعتقادهم هذا صائب، أن هناك نوعاً من التأثير المتتابع الذي يحيط أي عمل عام. فما أن نقبل أننا بحاجة إلى سياسات لحماية البيئة، فالأرجح أن نقبل أننا بحاجة إلى سياسات تكفل الحصول على الرعاية الصحية ورعاية الأطفال، وهكذا تباعاً، ولذا يجب منع الحكومة من القيام بأي شيء جيد، مخافة أن يضفي هذا مشروعية على قائمة أولويات تقدمية أوسع نطاقاً. لكن مهما يكن من أمر الحوافز السياسية الأقصر أمداً، فالأمر يحتاج إلى نوع خاص من الفساد، إلى درجة إنكار الحقائق وتبني نظريات المؤامرة ووضع مستقبل الحضارة نفسه في خطر.
ولسوء الطالع، استولى هذا النوع من الفساد على الحزب «الجمهوري» ككل. فقد كان هناك على الأقل بعض «الجمهوريين» أصحاب المبادئ، مثل السيناتور الراحل جون مكين الذي شارك عام 2008 في رعاية تشريع مهم، بشأن تغير المناخ. لكن أمثال هؤلاء، إما تعرضوا لانهيار أخلاقي تام، أو تركوا الحزب. والحقيقة، إنني حتى الآن لم أفهم تماماً كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد من السوء. لكن الحقيقة واضحة، وهي أن «الجمهوريين» الآن لا يمكن إصلاحهم. وما من سبب يجعل هذا يتغير، حتى إذا لحقت الهزيمة بترامب العام المقبل. ولن تستمر حياة الديمقراطية الأميركية أو الكوكب، دون أن يجري تغيير الحزب «الجمهوري» بشكله الحالي، بحيث يتضمن قيماً مختلفة تماماً. وربما يبدو هذا حلماً مستحيلاً، لكن هذا هو الأمل الوحيد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

https://www.nytimes.com/2019/12/12/opinion/climate-change-republicans.h