كلما اجتازت دولة عربية مشكلاتها وعقباتها الاقتصادية والسياسية، شعر المواطن العربي بالراحة والسعادة وتجدّد الأمل. وكلما تعثرت هذه الدولة العربية أو تلك بحل مشكلاتها وعقباتها، ليبقى جزء من شعبها في الشارع محتجاً ومتظاهراً غيرةً على الوطن، وخوفاً من الهاوية، شعر المواطن العربي بالضيق والكآبة وأمضى وقته بصعوبة مُرّة. ولارتفاع عدد البلدان العربية التي عانت خلال السنوات القليلة الماضية من أزمات سياسية واقتصادية، فإن المواطن العربي استطاع ترويض نفسه على عملية الانقباض والانبساط، والتشنج والارتخاء التي تسببها له الأحداث السياسية في ارتفاعها وهبوطها، بحيث آلفَ في نفسه بين اليأس والأمل، وبين المستحيل والممكن، على أساس أن لا شيء يمكنه البقاء ثابتاً لا يتغيّر ويتحرك، أو يظل متحركاً لا يقر ويثبت. وتلك حكمة تعلمها قلما يسهل على غيره الوصول لها. بعد (ثورات الربيع) العربي التي عصفت بالبشر والحجر وقضت على الأخضر، لتصل خسائرها إلى 55 ملياراً و84 مليون دولار بحسب دراسة لمجموعة (جيوبوليسي)، وكادت أن تدفع الوطن العربي بكامل دوله الوطنية إلى الفوضى والفقر والجهل والتخلف. وبعد ذلك بدأ المواطن العربي يستيقظ، وينفض غبار الهموم ويتجدد برؤية أعمق وأفق أكثر وضوحاً، فما لبثت أن جاءت أحداث السودان الشقيق، إذ خرج الشعب إلى الشارع متظاهراً سلمياً مطالباً بالتغيير.
واستطاع السودان بشعبه الواعي أن يتجاوز ويحدث الفرق بين ماضٍ سبب له الأذى فثار عليه، ومستقبل واعد همس له بأن الأيام المقبلة زاهرة. فغدا السودان نموذجاً.. حالة سياسية متقدمة يُقاس عليها كلما وقعت أحداث سياسية مشابهة في بلد عربي. ارتاح الشعب السوداني لاختياراته التي تحققت، وارتاح معه الوطن واستقر. تبعت السودان في سياق التغيير الجزائر، البلد العربي الكبير والوازن الذي تسبب غياب دوره الإقليمي عن الساحة لعدة سنوات، كوارث عميقة وكثيرة يدرك حجمها أهلها والمراقبون السياسيون. لكنه ها هو الشعب الجزائري يجتاز الامتحان نحو بر الأمان، وعلى نحو هادئ ومقبول، مع ضمان فسحة زمنية للتفكير بتطوير المسيرة وجعلها كما الصورة التي أرادها والمكانة التي وضعها لبلاده منذ البدء، مذكراً المراقب والمهتم بنموذج السودان الذي أصبح (مسطرة) في التاريخ السياسي المعاصر للوطن العربي. في الحقيقة لم يبق الكثير سوى بؤر نزاع عربية معينة، لينفض بعدها المواطن العربي، ومن دون رجعة، هم الاضطرابات السياسية العربية التي قضّت مضجعه لسنين طويلة، وكدّرت حياته على بساطتها، وهددت استقراره وأمنه. فهو اليوم ليس كما كان في الأمس، يضمن له ذلك وعيه وقدرته على التفاؤل، وذاكرته الغفرانية التي امتلكها بفضل التسامح. الإنسان العربي في هذه الفترة من التاريخ مرَّ بحالات نفسية استثنائية، خضعت في مجملها للأحداث السياسية التي وقعت في أكثر من بلد عربي، فأثّرت فيه على نحو عاطفي عميق إلى حد أنه جعلها تشاركه قهوته في الصباح، وتسهر معه الليل حتى آخر النشرات.
ورغم أنه لا يهتم كثيراً بمسببات الأحداث وتفصيلاتها ودوافعها وآفاقها، فإنه لا يفرق بينها من حيث المكان، إذ لا فرق لديه بين بلد في مغرب الوطن وآخر في شرقه، الكل عنده في الغيرة الوطنية كما في الهم، سواء، شعوباً وجغرافيا، ولهم عنده جميعاً الأهمية ذاتها ومشاعر الحب والفَخَار. ولا يقتصر هذا على مواطن عربي دون آخر، فكلهم في العروبة سواء، ويصعب على العربي في سويته القصوى، أن يتخيّل نفسه يوماً معزولاً عن هموم الوطن ببلدانه وشعوبه قط، مهما تظاهر بعكس ذلك، وتحامل على نفسه وتصبّر وأبدى خلافاً لحزنه المضمّر. والعربي المهاجر طوعاً أو جبراً، يبقى حاله رغم اختلاف المنافي كما حال عربي الداخل، لا فرق بينهما أمام المصائب إن حلّت. يبقى القول إن الإنسان العربي مخلوق جميل، أكسبته الثقافة الإسلامية صلاحية التأهيل لكل زمان ومكان، وعليه إدراك أن النجاح في الحياة لا يمكن الوصول إليه سوى بالتطوير المستمر.
*إعلامي وكاتب صحفي