صدر كتاب «المشروع، استراتيجية مسار الإخوان المسلمين وخلاياهم في فرنسا وفي العالم» بتوقيع الثنائي إمانويل رازفي والكسندر ويل فال (عن دار الارتيري في باريس). صحيح أن مئات المؤلفات تناولت الظاهرة «الإخوانية» بعد سقوط الخلافة العثمانية. وصحيح أن العديد من تلك الكتابات أرَّخت وحللت على امتداد نحو قرن، وكشفت ما كشفت من علاقاتها وتأثراتها وتأثيراتها، إلا أن هذا الكتاب الجديد الضخم يتميز بمنهجه البحثي والميداني يرصد فيه الباحثان بدقة، وإنْ أحياناً بشمولية تطمس بعض التواريخ والأحداث الأساسية للإخوان، وباستناد إلى وثائق وتحقيقات ومقابلات ليركزا على استراتيجية تسلل هؤلاء عبر البلدان وطرائقهم وبناء خلاياهم واستراتيجياتهم وتنوع تحالفاتهم وارتباطاتهم. وبمنهج علمي ودلالي واستقرائي يفصِّل الباحثان البناء التاريخي والأيديولوجي لـ«الإخوانية» التي استعاد تحريك عجلاتها حفيد مؤسسها حسن البنا وهو طارق رمضان، «نجم» المؤتمرات العالمية واللقاءات والمحاضرات والأبحاث (وهو قابع برموزيته اليوم في أحد سجون فرنسا لثبوت قيامه بتحرشات جنسية وعمليات اغتصاب). وليس خفياً أن هذا الأخير أسس استراتيجية على محاور عدة منها المواجهة الاستعمارية ومحاربة الصهيونية وتحت هذين الشعارين وسواهما التزم العمل على إعادة الخلافة الإسلامية السُنية بعد سقوطها على يد أتاتورك العلماني.
راجع الباحثان «البيان الأساسي للإخوان الذي وضعه حسن البنا عام 1936 ليتبين لهما بسهولة ومن خلال تفحص معلومات وفيرة وتماثلات مدى تماهي أفكارهم ووسائلهم في البيان المذكور بالأنظمة الشمولية الاستبدادية (وخصوصاً النازية في نهاية الثلاثينات من حيث الهرمية التنظيمية) وبوسائل نشاطاتهم ودعاياتهم وضربهم على وتر العنصرية وإلغاء الآخر.
لكن عندما يركز الباحثان على أطر عمل «الإخوان» ومنهجهم في فرنسا مستندين إلى أبحاث استمرت نحو خمسة عشر عاماً من التحقيقات والسجلات والمقابلات، يكتشفان أن وسائلهم وأفكارهم المرتبطة بالوضع السياسي والاجتماعي اتسمت بتكتيك واضح وبخطة تقوم على لعب دور الضحية وذلك من خلال تكرار الشكوى الدائمة من الفوبيا الإسلامية التي يواجهونها في فرنسا والغرب، وتظلمهم من اتهامهم بالإرهاب والعنف والاغتيالات متبعين عدة أساليب: تبدأ باللجوء إلى العقلانية أو بالتهديد أو بتجريم الآخر أو باستعمال باستنبات أمور تبرز هويتهم واختلافاتهم (كاللحم الحلال أو الحجاب أو البرقع).
لكن ما هو لافت في الكتاب كشفه بعض المستور الملتبس والظاهر الفج عندما يفتحان ملفات المتواطئين الفرنسيين من العلمانيين والمبشرين بالمجتمع المدني والديمقراطي مع «الإخوان» والتعاطف معهم بما يخدم طرق تسللهم إلى داخل البنى الاجتماعية لتفكيكها. وهؤلاء المجاملون يتوزعون بين صحفيين وكتاب وأساتذة جامعات مثل الباحث السوسيولوجي فانسنت جيسر، ومؤسس«ميديا بارت» أواري بلينيل، من خلال نشر مقالات ودراسات تحت عناوين «فوبيا الإسلام»، والنضال المعادي للعنصرية، وظفوه لخدمة مخططات الإخوان: بل أكثر الدفاع عن ارتداء البوركيني (مايو سباحة بلباس كامل) مصورين منعه وكأنه انتهاك لحرية المرأة وحرية ممارسة الشعائر والطقوس.
لكن وبرغم غنى مضامين هذا الكتاب وكشوفه فقد فاتته ظواهر وأمور عديدة، فلم يلقِ الكتاب الضوء على أدوار «الإخوان» في الثورات العربية الراهنة وفي الحروب مثل ليبيا وسوريا ومصر وممارساتهم الإرهابية.
ولم نجد في الكتاب إشارة إلى زيارة «الإخوان» أميركا في الخمسينيات ومقابلتهم الرئيس أيزنهاور الذي تبناهم واحتضنهم لمواجهة عبد الناصر وعادوا وجيوبهم مليئة، بل إن الباحثين أغفلا العلاقات التكتيكية والاستراتيجية ل«الإخوان» مع «داعش» و«القاعدة» وخصوصاً مع النظام التركي.

*كاتب لبناني