صدر عن مؤسسة «محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة» و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» تقرير «مستقبل المعرفة»، ويشير التقرير إلى أنه يهدف إلى مساعدة قادة الدول على إعداد مواطنيهم لمستقبل المعرفة، وتزويدهم بالمهارات المناسبة، وتشجيع القيادة الاستشرافية، والوصول إلى فهم أفضل للموجة التالية من التحول التكنولوجي في مجالات خمسة، هي: الذكاء الصناعي، والأمن السيبراني، سلسلة الكتل، والتكنولوجيا الحيوية، ومهارات المستقبل.
وقد أصبح من فضول القول إن التكنولوجيا الجديدة تؤثر في مستقبل مجتمعاتنا، وقد حدد الاتحاد الأوروبي ست تكنولوجيات تمكين رئيسية تؤدي دوراً حاسماً في تعزيز المهارات والابتكار، منها إضافة إلى المجالات الخمسة التي ذكرت سابقاً، تكنولوجيا التصنيع المتقدمة، والنانو تكنولوجي، والمواد المتقدمة، وتتسم هذه التكنولوجيات باستيعابها لكل الإنجازات التكنولوجية الأخرى، وتؤدي إلى تسارع مطرد في الابتكار.
سوف يؤدي الذكاء الصناعي، بما هو قدرة الحاسوب أو الروبوت على معالجة المعلومات وتحليلها واتخاذ القرارات بطريقة مماثلة للتفكير الإنساني، إلى زيادة في الاقتصاد العالمي تقدر بحلول عام 2030 بحوالي 16 تريليون دولار. وقد بدأ الذكاء الصناعي يحل في الأعمال والمؤسسات، ونستخدمه جميعاً على نطاق واسع، مثل عمليات البحث والتسوق التي تجري في الشبكة، والملاحة والخرائط، والمعاملات المصرفية، ويتوقع أن تتسع استخداماته في الطب والبحث العلمي والبيئة والتصميم وتشغيل مزارع الطاقة المتجددة والأمن.
وتؤثر سلسلة الكتل بلوك تشين blockchain في تطوير الشبكات باتجاه أعمال مصرفية ومالية آمنة، وتحسين عمليات التأمين وحماية السلع الثمينة والمهمة وتعقب الأغذية وتحديد مواقع الضرر في سلاسل الإنتاج والتوريد الغذائية، ويساهم الأمن السيبراني في حماية الأنظمة والشبكات وتبادل المعلومات ومواجهة الجرائم التي تقع من خلال الشبكة، وتعالج التكنولوجيا الحيوية النظم البيولوجية (الخلايا الحية أو مكوناتها) لتصنيع منتجات مفيدة بكفاءة، مثل قوارير بلاستيكية قابلة للتدوير، ومنتجات معدلة وراثياً قادرة على التكيف في ظروف مناخية وبيئية مثل الصحارى، وتحسين إمدادات الغذاء ومياه الشرب، وتطبيقات التبرع بالأعضاء، وفي ذلك تؤثر إيجابياً في التنمية المستدامة ومواجهة الفقر، وإدارة النفايات، وتخفيض التلوث، ومكافحة الآفات.
وقد أتاح ظهور البيانات الضخمة المجال لآفاق جديدة في المفاهيم والقياس والوعي، إذ تجري اليوم عمليات غير نمطية، أو غير مسبوقة، لجمع البيانات وتحليلها والوصول إلى خلاصات ونتائج لم تكن متاحة بأدوات التحليل التقليدية، مثل تقييم الأثر والسياسات بأدوات تحليل بديلة وأكثر دقة وكفاءة لاستطلاعات الرأي.
يحتاج الأفراد إلى مهارات معرفية جديدة ليكونوا قادرين على استيعاب وتوظيف التكنولوجيا الجديدة، مثل حل المشكلات المعقدة، والتفكير النقدي، والإبداع والتنسيق، والعمل مع الأشخاص الآخرين وإدارتهم، والذكاء العاطفي والمرونة الإدراكية، والتفاوض واتخاذ القرارات. والتعليم المستمر مدى الحياة. وبالطبع، فإن المجتمعات التي تتمتع بوعي بالمستقبل تكون أكثر استعداداً لاستيعابه وتوظيفه في التقدم والازدهار، كما يزيد إقبال الناس على تطوير مهاراتهم، وتجعل عمليات استيعاب التكنولوجيا تتم بوتيرة أسرع وأسهل. وإضافة إلى الموقف الإيجابي من التكنولوجيا، فإن المجتمعات والدول تحتاج إلى توفير البنى التحتية لهذه التكنولوجيا، مثل سرعة وسهولة الوصول إلى شبكة الإنترنت، وانتشار الأجهزة والتطبيقات وسهولة الحصول عليها.
يمكن اليوم الاستدلال على الوعي والإنتاج المعرفي بمؤشرات ومحتويات شبكات التواصل الاجتماعي، مثل مدى الإشارة إلى موضوع معين، ومستوى المشاركة، وبذلك يمكن أيضاً قدرات المجتمع المعرفية ونقاط القوة والضعف في أدائه المعرفي، وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة على صعيد البنية المعرفية اللازمة لدعم التكنولوجيا، إذ يمكن لجميع المواطنين تقريباً الوصول إلى شبكة الإنترنت، وتظهر المشاركات والاهتمامات وعياً جيداً بقضايا التكنولوجيا الجديدة ومتطلباتها التقنية والاجتماعية، وثمة حاجة لزيادة وتطوير الوعي بالمهارات المستقبلية.
ويوصي التقرير بتعزيز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودمجها بالتعليم والمناهج التعليمية، لتمكين الأجيال من اكتساب المهارات المستقبلية وتأهليهم لمرحلة أكثر اختلافاً وتعقيداً عن المرحلة الحاضرة، وتعزيز المساواة وخاصة بين الذكور والإناث، وبطبيعة الحال تحتاج الدول إلى تخطيط شامل يعزز المشاركة الاقتصادية لجميع المواطنين، والتركيز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومؤكد أنها توصيات وخطط تحتاج إلى تمويل، ما يعني بالضرورة ترتيب الأولويات والاتجاهات وفق فرص وإمكانيات التمويل، وفي ذلك يحتل التعليم الأولوية القصوى، لأنه المدخل الأساسي والأكثر أهمية في استيعاب التحولات والتحديات التكنولوجية، ثم التنمية الاقتصادية بشكل عام، وبناء خطط وبرامج مستمدة من آفاق الاستثمار والتمويل الممكنة، موجهة نحو الذكاء الصناعي والمهارات المستقبلية، والبحث والتطوير والابتكار.
وتحتاج الدول إلى تبني سياسات حازمة في العدالة والتمكين وإتاحة الفرص بشمول لجميع المواطنين، ليكون في مقدروهم المشاركة وللحصول على أفضل فرص للإبداع والتطوير. وكما يخلص التقرير في السطر الأخير، إن المجتمعات تحتاج إلى قادة ملهمين قادرين على التحفيز والابتكار.
*كاتب وباحث أردني