في أعقاب انتخاب عبدالمجيد تبون رئيساً للبلاد خلفاً للرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، بدا واقع الداخل الجزائري يفصح عن أن الجزائريين عقدوا عزمهم على إعادة الاستقرار والهدوء إلى بلادهم، فذهب قرابة عشرة ملايين شخص منهم إلى المقار الانتخابية لكي يدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع. الرئيس المنتخب هو الحادي عشر في الترتيب لرؤساء الجزائر منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1962، وقد فاز بنسبة قريبة جداً من 60 %من الأصوات التي تم الإدلاء بها وفرزت في صناديق الاقتراع من نسبة مشاركة شعبية بلغت 40 % من مجموع الجزائريين الذين يحق لهم التصويت، وهي نسبة لا بأس بها في ظل الظروف الحرجة التي تعيشها البلاد نتيجة للمظاهرات التي تخرج إلى الشوارع كل يوم جمعة ولمدة 44 أسبوعاً على التوالي عند كتابة هذه السطور.
الرئيس المنتخب كان شاباً في مقتبل العمر عندما حققت الجزائر استقلالها، فقد ولد في شهر نوفمبر 1945، أي أنه من الجيل الذي شب وتربى في عهد حكم «جبهة التحرير» الجزائرية التي تسلمت أمور البلاد من المستعمر، وهو شخص ليس بغريب على الساحة السياسية، فقد تقلد العديد من الوظائف القيادية الحكومية سواء على مستوى الولايات أو على مستوى الحكومة المركزية، لذلك يتوقع له أن يكون ملماً بشكل كبير بمشاكل البلاد وهمومها ومطالب المواطنين ورغباتهم واحتياجاتهم، مثلما يتوقع له أن يكون قادراً على قيادة السفينة الجزائرية إلى بر الأمان بسبب خبراته الواسعة وخدمته الطويلة في دوائر وأروقة الحكم في الجزائر، فإذا ما حظي بروح تعاونية من قبل الأطراف الفاعلة سياسياً واقتصادياً، خاصة المؤسسة العسكرية ونخب رجال الأعمال من أرباب المال والصناعة، والذين يثبت أنهم كانوا بعيدين عن دوائر الفساد الإداري والمالي، فإنه قد يحقق للجزائريين العديد من جوانب مطالبهم وتطلعاتهم وطموحاتهم.
ومن قرائه سيرة عبدالمجيد تبون السياسة يمكن استخلاص أنه كان بعيداً عن دوائر الفساد، وربما حاول محاربتها والقضاء عليها فاستهدفته بدورها وأقصته لفترة قصيرة عن الحياة السياسية، فقد تم تعيينه رئيساً للوزراء في شهر مايو 2017، لكنه لم يتمكن من الصمود طويلاً في هذا المنصب حيث استقال منه بعد ثلاثة أشهر فقط لكي يأتي بعده في المنصب أحمد أويحيى الذي يواجه حالياً تهماً بالفساد الإداري والمالي. فعندما اتضحت نوايا «تبون» في التصدي للفساد ورموزه وبأنه أصبح يشكل حظراً يهدد أصحاب المصالح المالية وكبار المتنفذين في مفاصل الاقتصاد ودوائر السلطة، خاصة أولئك الذين كانوا في شبكات المال والأعمال المتصلة بأقرباء الرئيس المستقيل تكالبت عليه مختلف تلك الفئات والدوائر والشبكات وعملت كل ما تستطيع لكي تضيق عليه الدوائر وتحكم عليه الخنق السياسي لكي تدفع به جبراً نحو تقديم استقالته من سدة رئاسة الوزارة، رغم أنه كان طوال مسيرته السياسية قبل أن ينتخب رئيساً على وئام تام مع العديد من الساسة بمن في ذلك الرئيس بوتفليقة ذاته.
وتتوقع العديد من دوائر الرصيد والتحليل السياسي أن يكون الرئيس المنتخب عبدالمجيد تبون رئيساً ناجحاً للجزائر على مدى ولايته القادمة لخمس سنوات، خاصة إذا حظي بثقة الشارع ودعم القوات المسلحة والدوائر الأمنية الأخرى التي ستساعده على إعادة الاستقرار والهدوء إلى جميع أنحاء وربوع البلاد. وفي أول خطاب وجهه إلى الجزائريين بعد انتخابه رئيساً، بدا «تبون» وهو يطرح نفسه رئيساً للجميع فلا إبعاد ولا إقصاء سياسي كما قال. وبالإضافة إلى ذلك فإنه أثناء حملته الانتخابية قدم برنامجاً انتخابياً لافتاً بالإضافة إلى سلسلة طويلة من الوعود والالتزامات لتأسيس جمهورية جزائرية جديدة تحقق لأبناء الشعب طموحاتهم وتطلعاتهم في حياة حرة كريمة ومستقبل مشرق. والحقيقة أن رغبة الرئيس الجديد ونواياه تجاه خدمة الجزائر والجزائريين لا غبار عليها، لكن المقلق هو المواقف التي قد تتخذها التيارات المعارضة تجاهه، فالعديد منها سينظر إليه على أنه من نفس منظومة الطبقة الوسطى الجزائرية التي تهيمن على مجرى الحياة السياسية للجزائر منذ الأيام الأولى للاستقلال، خاصة رموز التيار الإسلامي وكوادره الذين يبدو أنه لن يرضيهم شيء أقل من الجلوس على الكراسي الأولى للسلطة.
*كاتب إماراتي