الناقد السعودي، أستاذ علم الجمال والأدب المقارن، ومدير «معهد العالم العربي» بباريس، الدكتور معجب بن سعيد الزهراني، المولود بالباحة، جنوب غربي السعودية في 1954، هو أحد الأكاديميين، الذين لم يتقوقعوا داخل أسوار الجامعة، بل أسهم في الفعاليات الثقافية، داخل السعودية وخارجها.
وبوصفه أحد الفرانكفونيين السعوديين القلائل، فهو عضو مؤسس لمجلة «دراسات شرقية»، الباريسية التي تصدر بالعربية والفرنسية والإنجليزية منذ 1988، وعضو هيئة تحرير مجلة قوافل، الصادرة عن نادي الرياض الأدبي، منذ 1993، وعضو مشرف ومؤسس في مجلة «النص الجديد»، الصادرة من قبرص، منذ 1994.
الدكتور معجب الحاصل على الدكتوراه، في الأدب العام والمقارن من جامعة السوربون الباريسية، في 1989، وبعد أن عاد إلى وطنه، حمل همّ التنوير والتطور، ولما كان من مجاميع الحداثة، ناله من فجر الخصومة ما جعله يوصف بالشنائع التي وصلت إلى حد تكفيره.
ابن الباحة، المدينة المنغمسة في السحاب، والجمال، غرّد قبل فترة في (تويتر)، قائلاً: «اعذروني رجاءً... لا أحسن غير الحب لكل البشر... وأحترم كثيراً من لا أحب. الحب صحة جسم وعقل وروح، والكراهية كلها مرض في مرض».
يعتبر الزهراني من أفضل النقاد السعوديين ذوي الثقافة الفرنسية، الذين نقلوا نظرياتها، بوعي وبصيرة وتواضع، وأعملوا أساليبها في دراساتهم التطبيقية على الأدب السعودي.
لذلك تعتبره الدكتورة ضياء الكعبي، أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ بجامعة البحرين، «أول ناقد خليجي يصدر عن مرجعية نقدية فرانكفونية، وباشتغالات عميقة جداً، وله الريادة الاستثنائية في ذلك». ثم تنقل الكعبي تجربة تعرفها شخصياً على «معجب»، حيث التقته في حلقة نقاشية نقدية بالبحرين 2001، فتصفه قائلة: (بدا لي الزهراني آنذاك ولا يزال متحمسًا لمشاركات الباحثين الشباب يحثهم على الاستمرار والمواصلة وعدم الانقطاع ويشجعهم على أن يكونوا بذورًا جيدة صالحة لعطاء نقدي مستقبلي. تواصلت لقاءاتي المتقطعة مع الزهراني في ملتقيات نقدية في الباحة والرياض والقاهرة ورغم مرور السنين إلا أنَّ حماسته النقدية لا تزال مستمرة وتواضعه الشخصي ببساطته لا يزال حاضرًا. وقد لفت انتباهي كذلك ميله إلى الإبداع الروائي في روايته «رقص» في سردياتها المتدفقة التي مكَّنته من الكشف عن فوضاه الجميلة التي تأبى القيود وتهفو إلى الحرية. وللبروفيسور الزهرانيّ اشتغالاته الكبرى في مجال التأسيس، ويتبدَّى هذا التأسيس في بعض المشاريع الثقافية الضخمة جدًا مثل كونه عضوًا مؤسِّسًا في مشروع موسوعة «الأدب الحديث في المملكة العربية السعودية»، وهي موسوعة صدرت في عشرة مجلدات عام 2004. وتُرجمت مختارات منها إلى الإنجليزية والفرنسية واليابانية والروسية. كما أنَّه محرر المادة الثقافية في الموسوعة الشاملة عن المملكة العربية السعودية التي صدرت عام 2011 في عشرين مجلدًا عن مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض).
كان الدكتور معجب جريئاً، وهو الناقد، عندما عرّض نفسه للنقد، بتأليفه روايته الأولى في 2008، والموسومة بـ(رقص)، وركز فيها على رقصات الجنوب، من العرضة الجنوبية، إلى الرقصة النسائية، بتفاصيل دقيقة، وعبارات سلسلة رقيقة، يقول فيها: «آه لو كنت رئيساً لبلديتها ذات يوم. أتدري ماذا كنت سأفعل؟ سأدشن فيها اثني عشر عيداً للرقص، رقصات ناعمة هادئة لفصل الصيف، ورقصات قوية صاخبة لفصل الشتاء، ورقصات متزنة وقورة للخريف، وللربيع رقص يشعل كل الشهوات في مدينة الحب وما حولها».
وأتبعها في قبل أشهر بطرح سيرة ذاتية: «سيرة الوقت... حياة فرد... حكاية جيل»، وثّق فيها حكاية جيلٍ، عاش في «مجتمعٍ كان بسيطاً سمحاً متفتحاً، وأصبح يتّجه نحو التعقيد والتزمّت المَقيت في كل شيء».
وضمن بوحه الصادق، كشف الدكتور المفوّه، بشفافيةٍ، سراً عن طفولته، قائلاً: «بقيت حتى ما بعد العاشرة أعاني من تأتأة أوشكت أن تتحول إلى علة مستحكمة، لأن هناك من كان يضحك مني ويسخر وأنا أحاول إخراج الحرف وهو عالق في مكان ما من حنجرتي أو تجاويف فمي. ومع أنني لا زلت أتهيب الكلام الخطابي أمام جمع كبير إلى اليوم، إلا أن مهنة التعليم الجليلة خففت من معاناتي».
وفيما يبدو مكاشفةً، أكثر من كونه استلاباً، يتحدث الزهراني، عن اسمه الأول، قائلاً: «النطق بهذا الاسم، صوتياً، غير مريح لفرط التباعد والتنافر بين مخارج حروفه، ولا أُحِبُ سماعه إلا حين يُنطَق باللهجة الفرنسية (موجيب)، أما المعنى فأجده جميلاً على أي وجهٍ نُطِق».
في عبارة جميلة، يؤمن أستاذ علم الجمال في الأدب الحديث، أن «الوعي بالنقص أهم من الوعي بالاكتمال»، وهذا يشمل الأفراد والمؤسسات والمجتمعات، وقد صدق، فالتخلص من العادات السيئة أهم، وأصعب من اكتساب حسنها.
الأكاديمي المهموم بمجتمعه، قال: كان «المجتمع السعودي قبل أعوام يمشي على قدم واحدة، فهو لا يقطع مسافات، واليوم نحن نمشي أسوياء شرط أن نتسارع في خدمة المشهد الثقافي وتعزيز أدوار الفضاءات الحضارية».
قرية معجب الزهراني بالباحة تدعى (الغرباء)، وربما كان اسمها بروفة تمهيدية لتغرب أبنائها... من تلك القرية إلى باريس، كانت الصدمات الحضارية متتالية، لكنه اعتبر أولها، مناداة الابن الفرنسي والده باسمه المجرد، والبنت أمها باسمها!
مثل كل المثقفين العرب، يشكو الدكتور معجب «إحدى إشكاليات المجتمع العربي أنه مجتمع شفاهي»، وهو أعلن أنه بعد تقاعده، وفاء لمنطقته، بعث رسالةً لجامعة الباحة، يعرض التدريس فيها مجاناً، فلم يتلق جواباً. وبعد أن أصبح مديراً لـ«معهد العالم العربي»، قال إن ما يقدمه المعهد يوازي عمل وزارات إعلام عربية. ويحسب للدكتور الزهراني، أنه التفت بالمعهد، للمشرق العربي، بعد أن كانت الجغرافية العربية للمعهد تنحصر في لبنان وشمال أفريقيا.
لا يتعامل الدكتور الزهراني مع ثقافته العربية كالنعامة، لكنه في الوقت ذاته، لا يتورع عن نقد عيوبها من أجل إصلاحها، معتبراً أبرز هذه العيوب: «إننا لا نستطيع توظيفها في الحوار الداخلي، فما بالك بالحوار الخارجي مع الآخر ومع العالم».
ثم في مقاربة مضحكة... ضَحِكٌ كالبكاء، يقول: «حينما يذهب الإنسان العربي إلى أوروبا والغرب معتقداً أن قبيلته هي أحسن قبيلة في العالم، وثقافته هي أحسن ثقافة في الكون، وشخصيته مكتملة لا تحتاج إلى التعلم، فإنه حتما سيغلق باب الحوار ولن يستفيد من التلاقح»!
*سفير المملكة في الإمارات