لم تكتف دولة الإمارات العربية المتحدة بدمج فئة أصحاب الهمم في المجتمع وتمكينهم في شتى العلوم والمعارف والمهارات، وتوفير كل مقومات الدعم والرعاية الخاصة بالتعليم والعمل والإسكان لهم فحسب، وإنما ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين ركزت الاهتمام على حماية حياتهم النفسية والجسدية، وتأمينهم من التعرض لأي شكل من أشكال الإساءة، حيث اعتمد مجلس الوزراء مؤخراً، «سياسة حماية أصحاب الهمم من الإساءة»، بهدف تمكين أصحاب الهمم وحمايتهم في المجتمع، وتحقيق المشاركة الفاعلة لهم ومنحهم الفرص في مجتمع آمن يضمن لهم الحياة الكريمة.
«سياسة حماية أصحاب الهمم من الإساءة» التي ركزت على وقاية أصحاب الهمم من التعرض للإساءة، وتمكينهم وأولياء أمورهم والعاملين معهم من التعامل مع تلك الحالات، ومساعدتهم على الدفاع عن أنفسهم في حالات الإساءة، والكشف المبكر عن أشكال الإساءة المحتملة التي قد يتعرضون لها، لم تغفل كذلك أهمية زيادة عدد الكوادر المواطنة المتخصصة في الكشف عن الإساءة ورفع كفاءتهم في التعامل مع الإساءات وإعادة تأهيل أصحاب الهمم المعرضين لحالات الإساءة، فضلاً عن توفير التأهيل والبرامج المناسبة لأصحاب الهمم ممن تعرض للإساءة لمساعدتهم على التخلص من آثارها، وخاصة أن أشكال الإساءة تتنوع لتشمل الحرمان من أساسيات الرعاية والتأهيل والعناية الطبية أو الترفيه والدمج المجتمعي، أو استغلال أحدهم في جلب المنافع المادية التي لا يتم صرفها عليه بشكل أساسي.
لقد جاء اعتماد «سياسة حماية أصحاب الهمم من الإساءة» لكون أصحاب الهمم من أكثر الفئات المعرضة للإساءة أو التمييز، نظراً إلى أنهم قد يكونون أقل قدرة من غيرهم على الدفاع عن أنفسهم، نتيجة ضعف إمكانياتهم الجسدية أو الذهنية، أو قصور إدراكاتهم الحسيّة، ما يجعلهم غير قادرين على استشعار أي انتهاك قد يتعرضون له ويتسبب بحدوث آثار نفسية وجسدية في حال تعرضهم للإساءة، وذلك انطلاقاً من النظر إليهم بكثير من التقدير للمهارات والمعارف والجهود الملحوظة لديهم، وقدرتهم البالغة في التغلب على جميع التحديات التي يواجهونها في المجالات كافة.
إن الاهتمام برعاية أصحاب الهمم اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، يتمثّل في الكثير من الصور والمظاهر، حيث يتم النظر إليهم باعتبارهم متساوين مع نظرائهم الأصحاء، وذلك حتى يتم تجنب تعرضهم لأي شكل من أشكال التمييز أو الإقصاء أو التهميش، ولأجل ذلك كله تم إدراج هذه القيم في التشريعات والبرامج والسياسات التنموية التي تم اعتمادها في الدولة، إضافة إلى تنفيذ مجموعة متنوعة من الخدمات الخاصة بهم في مجالات التعليم والصحة والنقل والإسكان، فضلاً عن توفير الفرص الوظيفية والبرامج التدريبية التي تمكّنهم من الاندماج والمشاركة الفاعلة مثل كل الناس.
لقد شكّل أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في أبريل عام 2017، بتغيير مسمى «ذوي الإعاقة» إلى «أصحاب الهمم» رسمياً، مع إطلاق «السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم»، قفزة نوعية مهمة ومؤثرة على الصعيد الإنساني، حيث تشمل «السياسة» ستة محاور رئيسية، تتعلق بالصحة وإعادة التأهيل، والتعليم، والتأهيل المهني والتشغيل، وإمكانية الوصول، والحماية الاجتماعية والتمكين الأسري، والحياة العامة والثقافة والرياضة، بما يضمن التمكين والحياة الكريمة لأصحاب الهمم وأسرهم، ويحقق لهم التمتع بحياة كريمة وآمنة، ويسهّل عليهم الاندماج المجتمعي، ويعزز أمامهم الفرص المتكافئة، ويمكّنهم من القيام بأدوارهم، ويفتح أمامهم آفاقاً كبيرة للإبداع والتأثير، انطلاقاً من أن ذلك كله يحتاج إلى التعامل مع أصحاب الهمم من منظور يعبر عن الإيمان الحقيقي بإنسانيتهم وقدراتهم التي تتطلب توافر كل الأسس النفسية والمعنوية السليمة.
*عن نشرة «أخبار الساعة الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»