في الوقت الذي حفل فيه العام المنصرم بالعديد من الإنجازات الصحية ومن الاختراقات الطبية، حمل أيضاً هذا العام في طياته العديد من التحديات الصحية والطبية، التي ما فتئت تطل برأسها القبيح بين الحين والآخر، وهي التحديات التي يتوقع أن تظل قائمة خلال العام الجديد، وربما لسنوات وعقود قادمة.
من أهم وأخطر هذه التحديات، الحملة الشرسة، الكاذبة والمضللة، التي تعرضت لها التطعيمات الطبية خلال العام على منصات التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام أحياناً، لدرجة أن العديد من دول العالم أصبحت تواجه أوبئة محدودة من أمراض كان يفترض أنها تحت السيطرة بالاعتماد على التطعيمات الطبية، نتيجة انخفاض مستويات التطعيم بين أطفال وأفراد شعوب تلك الدول، بسبب معلومات خاطئة ودراسات مزيفة أصبح يُروج لها على نطاق واسع. ومما زاد الطين بلة، التفاوت والتباين في توفر التطعيمات بين الدول، وحتى بين المناطق الجغرافية المختلفة داخل الدولة الواحدة، وهو ما جعل هذا الوضع برمته من أهم قضايا الصحة العامة حالياً، ودفع بمنظمة الصحة العالمية إلى الإعلان عن أن انتشار المعلومات الخاطئة عن التطعيمات أصبح أحد أكبر المخاطر الصحية في عام 2019.
فبعض الأمراض التي يطلق عليها أحياناً أمراض الطفولة، مثل الحصبة، عادت للظهور مرة أخرى وبقوة، بسبب تردد البعض في تلقي التطعيمات، نتيجة المخاوف الناتجة عن انتشار المعلومات الخاطئة والكاذبة، كما أن هناك أكثر من 22 مليون طفل، لا تتوفر لهم التطعيمات الأساسية أصلاً، ضمن ما يعرف بالقصور في التغطية التطعيمية أو فقر التطعيمات -إن صح التعبير- والذي يُرد إلى عدة أسباب، منها: شح الموارد والتي قد توجه لأولويات صحية أخرى، وسوء إدارة نظم الرعاية الصحية، وضعف نظم المراقبة والمتابعة، والاضطرابات والقلاقل السياسية، والحروب والصراعات المسلحة، وغير ذلك من الأسباب.
التحدي الصحي الآخر، القديم المتجدد دائماً، هو حجم العبء المرضي للأمراض المزمنة غير المعدية، والذي ترزح تحت وطأته معظم دول وشعوب العالم. حجم هذا العبء يتضح من حقيقة أن 70 في المئة من وفيات الجنس البشري، أي ما يعادل 41 مليون وفاة سنوياً، تحدث نتيجة الإصابة بأحد أنواع الأمراض المزمنة غير المعدية، مثل أمراض القلب، والأمراض السرطانية، والسكري، والأمراض التنفسية، واضطرابات الصحة العقلية.. وهو ما أكده تقرير تقدمت به المفوضية الدولية العليا للأمراض غير المعدية إلى منظمة الصحة العالمية بداية شهر ديسمبر الماضي.
وعلى المنوال نفسه، يتسبب ما نتناوله من طعام يومي في عبء مرضي هائل، يتجسد في 11 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً. وهي خلاصة نتيجة دراسة كبرى نشرت مؤخراً في إحدى الدوريات الطبية المرموقة (The Lancet). وبذلك يكون الطعام اليومي سبباً أكبر للوفيات من التدخين، كونه مسؤولاً عن واحدة من بين كل خمس وفيات بشرية. وتتجه أصابع الاتهام هنا لثلاثة متهمين رئيسين: ملح الطعام المسؤول عن ثلاثة ملايين حالة وفاة سنوياً، ثم عدم تناول كميات كافية من الحبوب الكاملة والمسؤول عن وفاة ثلاثة ملايين آخرين، وأخيراً عدم تناول كميات كافية من الفواكه والمسؤول عن وفاة مليونين إضافيين.
التحدي الآخر الذي يتوقع أن تزداد فداحته وتأثيراته خلال السنوات والعقود القادمة، هو المرتبط بالتغير المناخي. حيث يتوقع أن يتأثر أفراد الجنس البشري على صعيد الصحة العامة والصحة الشخصية بالتغيرات المناخية، من خلال تغير أنماط المناخ، بما في ذلك درجة الحرارة، ومعدل سقوط الأمطار، وارتفاع مستوى البحر، ومعدل وقوع الكوارث المناخية، من أعاصير وفيضانات وفترات قحط وجفاف. كما سيتأثر أفراد الجنس البشري بشكل غير مباشر من خلال التغيرات التي ستحدث في المتاح من موارد المياه العذبة، وفي نوعية الهواء والغذاء، وانهيار النظم البيئية، بالإضافة إلى التغيرات التي ستحدث في قطاعات الزراعة، والصناعة، والنظم الاقتصادية برمتها، وهي التغيرات التي ستمتد تبعاتها إلى النظم الصحية وقطاع الرعاية الصحية أيضاً.
وكما كان الوضع خلال العقود الماضية، ظل إدمان المخدرات والكحوليات يشكل تحدياً صحياً ضخماً، بناءً على البيانات والإحصاءات التي تظهر أن 275 مليون شخص يستخدمون في الوقت الحالي نوعاً أو آخر من أنواع المواد المعروفة بالمؤثرات العقلية، مثل الحشيش، والأمفيتامين، والأفيون ومشتقاته، والكوكايين، وهو ما يعني أن 5.6 في المئة من الجنس البشري يعيشون حالياً تحت تأثير هذه المواد، خصوصاً الحشيش الذي يقدر عدد مستخدميه بأكثر من 190 مليون شخص. ومن بين جميع مستخدمي المؤثرات العقلية، يعاني أكثر من 30 مليون شخص منهم من اضطرابات واعتلالات ترتبط باستخدامهم للمؤثرات العقلية. ومما يزيد الطين بلة، أنه من بين 11 مليون مدمن يستخدمون المخدرات عن طريق الحقن، أُصيب 1.3 مليون منهم بفيروس مرض نقص المناعة المكتسب أو الأيدز، و5.5 مليون آخرين بفيروس التهاب الكبد (سي)، بالإضافة إلى مليون آخرين مصابين بالفيروسين معاً.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية