شهد العام المنصرم (2019) حيوية كبيرة في أحداثه وتطوراته، حيث تصدّرت قصص من كل أركان العالم عناوين الأخبار وواجهات الاهتمام الإعلامي في فترات مختلفة من العام. ولا شك في أن إصدار أحكام حول مدى أهمية أحداث بعينها هو أمر يتسم بطابع ذاتي واضح للغاية، لكن هناك على الأقل بعض القضايا التي تستحق الذكر والتوقف أمامها ببعض الاهتمام.
ففي منطقة الشرق الأوسط، يجب أن يحتل إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» الإرهابي، على يد عدد كبير من القوات العسكرية الإقليمية والعالمية، مكانة بارزة في قائمة التطورات المهمة خلال العام المنصرم. والتهديد الخطير الذي شكله «داعش» للمنطقة والعالم بعد إلحاقه الهزيمة بالجيش العراقي في الموصل في شهر يونيو عام 2014، كان مفاجأةً مروعة للعراق والإقليم والعالم ككل (رسمياً وشعبياً). كما تسبب انتشار مقاتلي «داعش» ومسلحيه في سوريا في تعقيد المخاطر القائمة هناك أصلاً، لذلك فقد تطلّب القضاء على التنظيم المتشدد سنوات من الهجمات العسكرية (الجوية والبرية) المناوئة له. ولم يتم القضاء على «داعش» بشكل نهائي بعد. ورغم قتل القوات الأميركية، بمساعدة من الأكراد السوريين، لزعيم التنظيم «أبوبكر البغدادي» في أكتوبر 2019، ما زالت بعض العناصر النشطة في «داعش» تعيث فساداً في المنطقة وما تصل إليه من مناطق أخرى في العالم. لكن ولّت تلك الأيام التي كان يسيطر فيها «داعش» على قطاعات واسعة من الأرض والسكان ليفرض سلطته ويقيم ما يشبه «دولة».
وتستطيع أطراف كثيرة أن تدعي المشاركة في النصر الذي تحقق ضد «داعش»، بمن في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه في سوريا وائتلاف القوى التي عملت مع الولايات المتحدة والقوة العسكرية الأميركية الهائلة وخاصة القوات الجوية.
كما ألقى تطور الصراع العسكري في سوريا الضوء على ثاني أهم ظاهرة شهدها عام 2019، ألا وهي تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، سواء في العراق أو في سوريا أو على صعيد مساعي حل الصراع العربي الإسرائيلي. لكن أمام تراجع الدور الأميركي، ظهرت أيضاً سلسلة مهمة من الأحداث التي تتعلق بنفوذ وسلطة القوى الإقليمية في المنطقة. والآن، تنتشر احتجاجات في كل من لبنان والعراق ضد الميليشيات العسكرية المدعومة إقليمياً التي تقوم بالمشاركة مع حلفائها بقتل المشاركين في هذه الاحتجاجات. وحصيلة القتلى التقديرية في بلدان الاحتجاجات الحالية مرتفعة بشكل استثنائي، وهو ما يعكس ضراوة الانتفاضات وإصرار رجال الدين الحاكمين على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات في سبيل الاحتفاظ بالسلطة. فهناك انتفاضات هي الأكثر عنفاً منذ عقود، مما يُظهر غضب الناس العاديين في هذه البلدان، والذين يعانون أشد المعاناة من العقوبات الأميركية، ومن سياسات التورط في مغامرات ذات طابع أيديولوجي أو طائفي داخل وخارج بلدانهم، لاسيما في سوريا ولبنان والعراق.
ومن الأحداث الأخرى ذات التأثير العالمي أيضاً، بروز عدد كبير من الأزمات المتعلقة بتغير المناخ (أو الاحترار العالمي) والتي ساهمت في عدد من أسوأ حرائق الغابات والأحراج التي امتدت من سيبيريا إلى أستراليا ومن كاليفورنيا إلى غابات الأمازون في أميركا اللاتينية. هذا علاوة على مستويات التلوث العالية الناتجة عن حرق الأراضي الزراعية، والتي وصلت إلى مستويات خطيرة في كل سوريا والهند وإندونيسيا. وقد استمرت موجات الجفاف في أفريقيا والشرق الأوسط، وكانت زيمبابوي على حافة مجاعة قومية بنسب مذهلة. وقد تجددت الجهود العالمية لوقف انبعاثات الكربون العالمية من خلال حشود شباب العالم الذين كشفوا لقمة الأمم المتحدة عن غضب غير مسبوق ضد فشل الحكومات في معالجة المشكلة المناخية. وقد اختارت مجلة «تايم» الناشطة المناخية السويدية البالغة من العمر 16 عاماً «جريتا تونبيرج» لتكون شخصية العام، وذلك لدورها القيادي في تحفيز الوعي بمخاطر تغير المناخ وتداعياته على البيئة الطبيعية وعلى الحياة البشرية.
وكان الرئيس دونالد ترامب في طليعة الذين أغضبهم اختيار «تايم» لتونبيرج بوصفها شخصية عام 2019، حيث وصف هذا الاختيار ب«السخيف». وجاء انفجار غضب ترامب في وقت وافق فيه أعضاء مجلس النواب الأميركي على مساءلة رئيس الولايات المتحدة. ولا شك أن سجال ترامب المحتدم، والذي لا ينتهي مع الخصوم في الداخل والخارج، يستحق بالتأكيد أن يعتبر من أحداث العام المهمة. وفي عام 2019، لم يقترب ترامب من التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية بشأن برنامجها النووي، كما وعد وكما تمنى كثير من المتابعين لهذا الملف، مما يفاقم المخاوف من احتمال تزايد الانتشار النووي وتسارع سباق التسلح النووي عالمياً في عامنا الجديد (2020).