تخصص دولة الإمارات هذا العام 2020 للاستعداد للاحتفال بمرور خمسين عاماً كاملة على تأسيس الدولة الاتحادية من خلال تسميته بعام الاستعداد للخمسين. وبهذه المناسبة الوطنية التي يحتفل فيها وطننا العزيز بيوبيله الذهبي، أرى أن نخبة البلاد الحاكمة تمكنت من تأسيس دولة اتحادية ومجتمع طموح تواق إلى التقدم والرقي من خلال ممارستها وأدائها لوظائفها والمهام المنوطة بها عن طريق تحقيق الأمن وحماية المجتمع كأمر حيوي يسبق ما عداه من الأمور، وذلك انطلاقاً من الإيمان بأن الأمن الشامل والكامل هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها بناء الدولة العصرية بشكل صحيح. وبالتأكيد أن للأمن شقين داخلي وخارجي، والأمن الخارجي ذو شجون سنتحدث عنها في مقام آخر خاص بها، أما الأمن الداخلي، فهو حقيقة ملموسة يفصح عنها المواطنون بشكل واضح من خلال شعورهم بأنهم آمنون على أرواحهم وأولادهم وأسرهم وأموالهم بشكل تام بنسب عالية جداً تصل إلى الكمال، وهو أمر قلّما يوجد له مثيل على مدار العالم.
إن مقومات وجود واستمرارية أي مجتمع بشري أمران هما الأمن والرزق، وهما يحددان ارتباط البشر الوثيق بأوطانهم فإذا ما توفرا إلى حد الكمال كان الارتباط بين المواطنين وأوطانهم يصل إلى حد الكمال أيضاً. وربما أن هذه الحقيقة تغيب عن أذهان النخب في العديد من مناطق ودول العالم النامي، لكنها في دولة الإمارات هي أمر مدرك إلى حد الكمال من خلال الأرقام الفلكية التي تخصص لتحقيقهما في الميزانيات السنوية للدولة الاتحادية. على صعيد توفير الأرزاق للمواطنين والمقيمين فيها من غير المواطنين بصورة شرعية عملت الدولة الاتحادية منذ تأسيسها على إعادة توليد المجتمع مادياً وتنويع مصادر الدخل الوطني بعيداً عن الاعتماد على مصدر وحيد للدخل آت من النفط وحده، وهذه عملية صعبة ومعقدة عجزت عنها العديد من أمم الأرض الأخرى المنتجة لمادة واحدة ناضبة يعتمد عليها دخلها الوطني. لكن الأمر في دولة الإمارات مختلف حيث تم إيجاد معادلة خاصة كانت نتيجتها هي القدرة على تحقيق التنوع الاقتصادي.
ومن الأمور الملاحظة بشكل لافت أن مجتمع الإمارات الأصيل هو مجتمع تعاضدي يسند بعضه بعضاً، وأقصد بذلك وجود نمط من التعاون والتقارب والاعتماد المتبادل الغريب الذي قد لا يوجد له مثيل في مجتمعات العالم العربي الأخرى بين النخب السياسية والمثقفة والاقتصادية ونخبة رجال الأعمال. وتعاون النخبة المثقفة بالتحديد هو واحد من خصوصيات دولة الإمارات، فهذه الفئة الاجتماعية المهمة طرأ تغيير كبير على وعيها تجاه القوة في المجتمع ودورها وحدودها وطبيعتها، وذلك على ضوء تجربة ما بعد قيام الدولة الاتحادية. وما نلاحظه هو وجود وعي ثقافي لافت بين رموز النخبة المثقفة ولدى رجال الأعمال والاقتصاد المواطنين بالحاجة إلى وجود دولة اتحادية وحكومة مركزية قوية قادرة على تحقيق الأهداف المرتبطة ببناء الوطن وبالتنمية الاقتصادية أولاً، ثم التنمية الشاملة المستدامة، وبتخطي العقبات والعوائق المترسبة من الماضي المرتبطة بتدني مستويات التنمية والتحديث.
السنوات الخمسون التي تشرف على الاكتمال أثبتت أن أبناء مجتمع الإمارات ونخبته السياسية قادرون حتى الآن على خلق التوازن الصحيح بين الجديد والموروث الثقافي، بشكل يتضح فيه الدور الدقيق للنخبة المثقفة، فمن خلالها ودعمها استطاعت دولة الإمارات زيادة إمكانياتها وطاقاتها لكي تصبح قادرة على التعامل مع المشاكل المعاصرة الناتجة عن عمليات التغير الاجتماعي وعناصر عملية التنمية الشاملة المستدامة الأخرى.
* كاتب إماراتي