منذ وقت مبكّر وقبل الكثير من دول العالم المتقدّمة والنامية، تنبّهت دولة الإمارات إلى ما يحيط بالنظام البيئي لكوكب الأرض من مخاطر وما يواجهه من تحديات، نتيجة أنشطة الإنسان التي لا تراعي في معظم الأحيان مسألة التوازن والتكامل في الموارد الطبيعية، وسعيه بلا كلل أو ملل لاستغلال تلك الموارد في تحقيق مصالحه، وإيجاد المزيد من التسهيلات في حياته اليومية، وعملت بشكل منفرد وبالتعاون مع المجتمع الدولي على إطلاق مبادرات ومشاريع تقلل قدر الإمكان من آثار التدخل البشري في أنظمة الطبيعة وقوانينها.
اهتمام الإمارات بهذا الأمر وإيلائه أهمية قصوى على المستويات كافة، ليس من باب الترف أو الخيال أو الدعاية، وإنما انطلاقاً من قناعتها بأهمية وضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية والمكونات البيئية، بما في ذلك الثروات التي يكتنزها باطن الأرض، والموارد المتاحة على سطحها، والعناصر التي يحتويها الهواء والغلاف الجوي، وترشيد استخدامها والحد من الاستهلاك المفرط والجائر لها، والتقليل من الأنشطة والعمليات التي تلحق الضرر بها من خلال نواتجها ومخلّفاتها، بل والعمل بكل الطرق الممكنة على تطويرها وزيادة مخزونها واستدامة وجودها، بحيث تنعم بها الأجيال الحالية، وتظل رصيداً للأجيال المقبلة.
وهذا الاهتمام ليس جديداً أو حديثاً، بل هو متجذّر في سياسة الإمارات منذ تأسيسها، فقد شغلت البيئة اهتمام وفكر المغفور له،  الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان على قناعة تامّة بضرورة المزاوجة بين التنمية والبناء والحفاظ على البيئة، وأن البيئة أمانة يجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة، حيث كان يؤكد باستمرار: «نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البرية وواجب علينا الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء»، حتى أصبحت دولة الإمارات، بفضل جهوده، واحدة من أهم دول العالم وأكثرها تأثيراً في مجال التصدي للتحديات البيئية التي تواجه العالم، وهو ما ترسّخ في رؤية القيادة الرشيدة التي واصلت هذا النهج، وعززت الاهتمام بالبيئة، وشجّعت ودعمت كل جهد محلي وعالمي لتحقيق الاستدامة في مختلف المجالات، وتعزيز الوعي والمعرفة بأهميتها وضرورتها، ليعيش البشر نمط حياة صحياً وطبيعياً.
أسبوع أبوظبي للاستدامة يُعد واحدة من المبادرات المتميزة التي أطلقتها دولة الإمارات لتشجيع الدول والمنظمات والأفراد على الاهتمام بالبيئة والموارد الطبيعية، لأنه جعل من عاصمة الدولة وجهة لرواد الاستدامة من مختلف أنحاء العالم، وقبلة لكل مهتم بالحد من التدهور الذي تعانيه بيئة وموارد كوكب الأرض، ومنصة عالمية تحفز على دفع عجلة التنمية المستدامة في العالم، وخصوصاً أن أبوظبي أطلقت، منذ إطلاق هذا الحدث في عام 2008، مشاريع عملاقة في هذا المجال، في مقدمتها «مدينة مصدر» الخالية من الانبعاثات الكربونية وأي مسببات أخرى للتلوّث، بجانب مشاريع استدامة الموارد المائية، من بينها تعزيز مخزون المياه الجوفية بتقنيات حديثة، والحقن وغيرها الكثير.
فعاليات الأسبوع الذي يقام هذا العام، خلال الفترة من 11 إلى 18 يناير الجاري، زاخرة وغنية وتتضمن انعقاد الجمعية العمومية للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، و«منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي» و«قمة مستقبل الاستدامة» ومعرض ومنتديات القمة العالمية لطاقة المستقبل، وملتقى أبوظبي للتمويل المستدام وحفل توزيع جوائز جائزة زايد للاستدامة، إلى جانب ملتقى السيدات للاستدامة والبيئة والطاقة المتجددة، ومركز شباب من أجل الاستدامة، وكل ذلك بهدف تحقيق التكامل في الجهود على المستويين الرسمي والشعبي والجمعي والفردي، بما يدفع قدماً الجهود والأفكار والمبادرات الساعية إلى تحقيق الاستدامة.
تتطلّع دول العالم وشعوبه والمهتمون بالمحافظة على الأرض ومواردها إلى هذا الحدث وإلى الإمارات التي حوّلت برؤية قيادتها وإرادة شعبها، الصحراء إلى حدائق ذات بهجة، للخروج بأفكار مبتكرة وحلول إبداعية تلهم البشرية حول كيفية معالجة تحديات التنمية، وبناء اقتصاد مستدام، يحقق الازدهار، ويحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.