تتطلب التحديات العالمية، مواجهة موازية لها، إذ إن العنف والتطرف ومحاولات تمزيق وحدة الدول ونسيجها الاجتماعي، عبر التدخل في الشؤون الداخلية للدول وسكب سموم الكراهية وشحن الانزواء على حساب قيم التعايش، تحديات أصبحت محيطة بدول العالم بلا استثناء، بل وإن الوعي بأن المشكلة والهم واحد، جعل العديد من الدول «الفطنة» رغم أنها «الأقل تعرضاً للإرهاب» إلى المسارعة بشبك سواعدها مع دول التصدي لجرائم العنف والقائمين على ذلك، ودعم مشاريع ومبادرات السلم والتعايش.
ولا يخفى ما تتعرض له المجتمعات المسلمة، من استغلال فكري مقصود، وافتراء في إحلال صور نمطية من صنع جماعات التوظيف السياسي للإسلام، محاولةً منهم لخلق حالة من التشويش القيمي، وإبراز نفسها بعد ذلك كمرجعية وحيدة، بشعارات فضفاضة تخفي وراءها ما وضعت لأجله من أهداف و«بضاعة مغشوشة». وتزامناً مع هذا الوقت طفيف التشعبات، ومتسارع التحولات والذي تحاول فيه الأطراف كافة فرض وتفويض نفسها على الساحة الدولية بل والعالمية، كممثل للمسلمين في مجتمعاتهم، يظل من الملزم إيجاد إطار تنظيمي لتكثيف التعاون والتنسيق فيما بين المؤسسات الإسلامية الكبرى، وقوفاً في وجه أي محاولة لتلك التدخلات العبثية والاختراقية، وصداً لاحتمالية أي تدخل خارجي.
وفي السياق ذاته، فإن «منظمة التعاون الإسلامي» تمثل بحق ما وضعت لأجله من كونها الصوت الجامع للعالم الإسلامي، ولا تنفك تسعى لذلك بكل دأب، فهي مظلة جامعة للوجود الإسلامي، ومدافع شغوف لتمثيل قضاياهم بكتلتهم التي تزيد على المليار ونصف مليار مسلم في بقاع العالم، وصون مصالحهم الحيوية، والسعي الجاد لتسوية ما تواجه من الصراعات أو النزاعات، والعمل على إيضاح صورة الإسلام الناصعة، وقوفاً في وجه الممارسات كافة المعادية للمسلمين ووحدتهم.
ولطالما حملت «منظمة التعاون الإسلامي» على كاهلها مسؤوليات عدة، كان من أبرزها قضايا السلم والأمن، وفلسطين والقدس الشريف، والتخفيف من حدة الفقر، ومكافحة الإرهاب، والاستثمار وتمويل المشاريع، والأمن الغذائي، والعلوم والتكنولوجيا، وتغيّر المناخ، والتنمية المستدامة، والوسطية، والثقافة والتناغم بين الأديان، وتمكين المرأة، والعمل الإسلامي المشترك في المجال الدعوي والإنساني، وحقوق الإنسان والحكم الرشيد، ومن ذلك فلابد من الإشارة إلى أن أي مشروع يخدم خارج أهداف ميثاق منظمة التعاون الإسلامي ما هو إلا ضرب لوحدة المسلمين ومقومات وجودهم وتهديد لمستقبلهم، ومن ذلك ما أصبح يطفوا على السطح ولا ينطلي على أحد من دول العالم من طرف الدول الداعمة للإرهاب!
ويعتبر الدافع وراء اتخاذ جهة رصينة قويمة الأداء كمرجعية موحدة لكلمة المسلمين، مع العمل على مد جسور التعاون والتشارك فيما بينها والمؤسسات الإسلامية في العالم، من أبرز الوسائل التي تساعد على الوصول للهدف الأسمى من تحقيق السلم المجتمعي، باعتباره أهم الواجبات المترتب على المؤسسات والمنظمات الدينية والاجتماعية تحقيقها.
وتأتي الدعوة للتعايش المجتمعي والاحترام بنداً أساسياً ومحورياً في كافة الإعلانات والمواثيق المهمة، كما في ميثاق «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»، خاصة ما ورد في فصله (التعاون على حماية الحقوق) ناصاً على توطيد التعاون بيننا وبين الجهات الفاعلة الوطنية والإقليمية والدولية، وتلعب دوراً حاسماً في حماية حقوقنا والنهوض بها و«يبقى الالتزام القانوني الرئيسي بحماية المجتمعات المسلمة على عاتق الدول». وليس بأعدل من قول الحق: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّه إن اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، تذكيراً وتأكيداً على أهمية تعاون المسلمين، فكيف بمؤسساتهم القائمة على تحقيق مصالحهم؟!