يقول المحللون السياسيون إن أطرافاً في الشرق الأوسط بدأت فعلا في الاستعداد للقيام بضربة انتقامية ضد أهداف أميركية في العراق، وأن «الحرس الثوري» ربما يكون قد أخرج صواريخه الباليستية متوسطة المدى من أماكن تخزينها، ليبدأ في وضعها في نقاط مختلفة على طول الحدود مع العراق، بحث تكون جاهزة للإطلاق. ويُعتقد أن مدى هذه الصواريخ يغطي معظم القواعد الأميركية في المنطقة. وهناك مؤشر آخر يدل على وجود استعدادات للانتقام، نراه في الانسحاب السريع خلال يوم واحد لمعظم قادة الميليشيات المسلحة في العراق وكبار الموظفين الذين عبروا الحدود ووصلوا إلى قواعد «الحرس الثوري». كما ورد أن ميليشيا كتائب «حزب الله العراقي» قد حذّرت وحدات الجيش العراقي وعناصر الأمن من البقاء داخل المنشآت العسكرية الأميركية بداية من مساء يوم الأحد الخامس من يناير الجاري.. فكل هذه مؤشرات يتعين أخذها في الحسبان وعدم الاستهانة بها.
ولعل التقارير الاستخباراتية والتغطيات الصحفية حول هذه الاستعدادات لإعلان الحرب، هي ما يقف وراء التغريدات النارية للرئيس دونالد ترمب عن عواقب الإقدام على قتل أي أميركي أو استهداف للمصالح الأميركية في المنطقة، وتشديده على أن الجيش الأميركي سوف يستهدف 52 موقعاً محددة الأماكن، بعضها ذا مستوى عالٍ جداً ومهم من النواحي الاستراتيجية والثقافية والسياسية، وأن بلاده ستُوجه ضربة قوية لم تضرب مثلها من قبل. فإلى أين سيتجه هذا التصعيد إذن؟
الذي حدث في صباح اليوم التالي لمقتل الجنرال سليماني هو أن سلاح الجو الأميركي قد بدأ فعلا في استهداف قادة الميليشيات العراقية ذات الارتباطات الإقليمية والطائفية، وبالتالي فقد اتضح أن مقتل سليماني لم يكن مجرد غضبة يتيمة، وإنما هو جزء من حرب منهجية يديرها الرئيس ترامب لوضع نهاية لهذه الهيمنة التي أصبحت بعض الأطراف تمارسها على بغداد. وتظهر هذه الحرب المنهجية عندما نجد أنه بالإضافة إلى قتل سليماني، استهدف الأميركيون معه العقل المدبر لشبكة الارتباط الإقليمي «أبو مهدي المهندس» رئيس «وحدات التعبئة الشعبية» الذي كان المظلة التي تجمع كل الميليشيات الطائفية في العراق. وفي صباح السبت أيضاً، قيل إن غارة جوية أميركية أخرى ضربت قافلة «شبل الزيدي»، قائد «كتيبة الإمام علي»، بالقرب من مجمّع معسكر التّاجي شمالي بغداد، وقُتل في العملية ستة أشخاص يُرجح أن الزيدي من ضمنهم.
ومن الواضح أن قواعد اللعبة قد تغيرت بالفعل، وأن هناك أوامر جديدة وُجهت للقيادة الأميركية في العراق باستهداف الميليشيات العراقية الموالية، بالطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار، متى ما ظهرت قياداتهم أو أمكن الوصول إليها.
الرئيس ترامب يريد أن يستغل القوة الدافعة التي خلقتها نهاية سليماني والمهندس وآثارها النفسية، لإنهاء حكم قادة الميليشيات وسلطاتهم الهرمية، وسيستخدمها إلى أقصى مدى ممكن. هذا البرنامج الطويل الطموح للغاية هو رد إدارة ترامب على النقاد الذين ادعوا أن عملية الاغتيال عاليةَ الخطورة لقاسم سليماني قد تم تنفيذها دون استراتيجية أو خطة للمتابعة. والواضح أنها مبادرة أقدمت عليها الولايات المتحدة دون أي مشاركة لحلفائها الأوروبيين، والذين طالما دللوا بعض الأطراف الشرق أوسطية الواقعة على خصام مع أميركا. لذا كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبو على علم تام بأن الحلفاء الأوروبيين لم يكونوا «متعاونين» في تصفية سليماني ولن يكونوا متعاونين بعدها. لكن من الواضح أن الحرب قد بدأت فعلاً، ومن نافلة القول إنه يتعين على جميع الأطراف الاستعداد لأية تطورات.

*كاتب سعودي