أسدل الستار على الجنرال (قاسم سليماني). وفي مثل هذه الحوادث، على المرء أن يذهب إلى ما ورائها.. أين تقود وكيف؟ العراق الذي يعاني اليوم من وقوف مهزوز على أركانه الأساسية كدولة، يفقد يوماً بعد آخر قدرته على الصمود في وجه الأنواء التي عصفت بكل شيء على أرضه، وفي مقدِمها الإنسان العراقي، فضلاً عن غيابه كبلد مهم وفاعل إيجابياً في الجغرافيا العربية والساحتين الإقليمية والدولية؛ فكل ما يمكن تخيلهُ من فوضى وانفلات أمني وقيمي وفقر وتخلف ودمار بالمعنى الواسع للكلمة، هو موجود اليوم في العراق الذي عدَّ، وفقاً للتقارير الدولية، إحدى الدول الخمس الأكثر فساداً على مستوى العالم، الأمر الذي يدفعه ليقترب شيئاً فشيئاً من أن يكون دولة (فاشلة) بالمعنى السياسي للمصطلح. فرئاسة الدولة مهددة بالغياب، بل هي غائبة عملياً، ورئاسة الوزراء مؤقتة (= في حالة تصريف أعمال). وهذا كله يؤسس لغياب الدولة وسلطتها وهيبتها، ويولّد مناخاً خصباً للأطراف السياسية - المليشيات (= 65 مليشيا طائفية) لترتع فساداً في طول البلاد وعرضها بلا أي رادع، وتعبث بمقدرات العراق وموارده المالية، وتخرّب مؤسسات الدولة. وفي الحقيقة أن تلك المليشيات تتعامل مع العراق كغنيمة حرب، وظل هذا ديدنها على مدى 16 عاماً مضت (منذ العام 2003). ومكتوب لممارساتها أن تمتد في الزمن إلى ما لا نهاية. ولعله من هنا استوجبت التظاهرات والاحتجاجات التي يقوم بها الشباب في المدن العراقية منذ ثلاثة أشهر، الدعم والمساندة بشتى الطرق، كونها النقطة المضيئة والوحيدة التي انبلجت لتضيء ليل العراق البهيم، بل ربما هي الفرصة الوحيدة التي إنْ ذهبت من دون تحقيق لمطالب وأهداف المحتجين، فإنه من الصعب أن تعود وتتكرّر.
التنظيمات المليشاوية في العراق تشرّع لنفسها اليوم حق التنكيل بالشعب العراقي على اختلاف طوائفه وإثنياته ومعتقداته، ولأنها تمثل بقايا لدولة ثيوقراطية (إلهيّة) تحكم على الأرض، فإنها تتعامل مع الشعب العراقي باعتباره (شعب شرير وناقص بحاجة إلى من يغيّر في أطباعه وقيمه وسلوكياته).. هي منطلقات الدول الدينية - الثيوقراطية التي تأتي إلى الحكم بوسائل الفاشية المتوحشة. ما يجري في العراق هو عملية نسف لكل تاريخ العراق ومنجزاته الإنسانية والحضارية، بالتضافر مع عملية تهتيك للنسيج الاجتماعي لضرب خصوصيته وهويته. نعود إلى الحدث الأبرز لنسأل: هل أثر حدث سليماني على الانتفاضة العراقية ؟ قلةٌ ذهبوا إلى (نعم) لكن الأكثرية وبينهم محللون سياسيون، ذهبوا إلى (لا).. لم يؤثر، كون الشباب في الشارع كسروا حائط الخوف ورفعوا القدسية عن الأفعال والأشخاص، وبالتالي فإن ما حدث رغم حجمه وأهميته لم يؤثر على زخم الانتفاضة المطلبية بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة، ووقف الارتهان إلى الخارج.
لم تنحرف الأنظار عن الانتفاضة العراقية على الرغم من اختطاف خمسمائة شاب، إضافة إلى الرقم الكارثي البالغ 22 ألف جريح. بعض الأخبار تقول ما حدث ربما يمهد لتوترات محدودة مقبلة ومنها ما نشره موقع قناة (فوكس نيوز) الأميركية؛ فقد بلغ عدد السفن الأميركية التي جرى سحبها من بحر الصين إلى المنطقة 63 قطعة بحرية (بوارج وفرقاطات ومدمرات وثلاث حاملات طائرات، إحداها تموضعت قرابة الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، كما جرى شحن أكثر من 60 بطارية صواريخ (باتريوت) إلى المنطقة، مما يجعل احتمال استمرار التوتر وراداً.
*إعلامي وكاتب صحافي