عام 2020 هو الخط الفاصل بين مرحلتين مهمتين في تاريخ دولة الإمارات التي ستحتفل عام 2021 بيوبيلها الذهبي. وإذا كانت المرحلة الأولى قد شهدت التأسيس وتثبيت الأركان وحفظ الأمن والاستقرار والاهتمام بالبناء والتنمية والبحث عن أفضل السبل لتوفير العيش الكريم لأبنائها، بالإضافة إلى إيجاد مكان للدولة الوليدة في سجل التاريخ، وترسيخها بإرساء قواعد حسن الجوار ومد يد الخير للجميع؛ فإنها خلال المرحلة الثانية ستسعى لتحقيق حلمها لأخذ موقعها على منصة الصدارة إلى جانب الدول المتقدمة.
من هذا المنظور يمكننا فهم رؤية وفلسفة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإعلانهما أن العام الحالي هو عام الاستعداد للاحتفال بيوبيل ذهبي متميز، حيث أطلق سموهما أكبر استراتيجية عمل وطنية من نوعها لتشمل كافة المستويات، وبمشاركة فئات المجتمع من مواطنين ومقيمين، لبناء مستقبل أكثر إشراقاً. وإن هذا الإعلان بجوهره هو استشراف للمستقبل الذي تريده قيادتنا، عبر تطوير منظومة العمل الحكومي بشكل كامل، لتكون حكومة الإمارات الأسرع نمواً والأكثر مرونة وقدرة على التكيف مع متغيرات المستقبل وصياغة شكل الحياة فيها، في إطار رحلتها الفريدة نحو المئوية.
ووفقاً لرؤية القيادة، سيكون هذا العام هو عام الإعداد والاستعداد لإحداث قفزة كبيرة في مسيرة الدولة، مستلهمة من تجربة الآباء المؤسسين، ليكون عام 2020 مشابهاً من حيث الطفرة لعام 1970 عندما كان المؤسسون يستعدون لإعلان قيام دولة الاتحاد. والحقيقة التي يعلمها الجميع ويؤكدها الواقع أن استعداد الإمارات للقادم من أيام لم يبدأ الآن؛ إنما بدأ منذ أعوام طويلة بما تبنّته الحكومة الاتحادية من خطط واستراتيجيات تنموية طويلة الأمد، وحققتها في مراحل مختلفة. واليوم تواصل الدولة استعدادها للمستقبل، بما يجعلها تدخل العقود المقبلة وهي تقف على أرض صلبة وتسير بثقة واقتدار نحو بلوغ أهدافها، وذلك عبر تهيئة وإعداد كل القطاعات لمرحلة ما بعد النفط من أجل بناء اقتصاد معرفي أساسه الابتكار والإبداع والعلوم والتكنولوجيا الحديثة.. ما تقدّم من خطط وخطوات في الإمارات أثبت أنها كانت قادرة على استشراف المستقبل، لتصبح نموذجاً عربياً وإقليمياً في الريادة محاولة اللحاق بركب الدول الكبرى التي أثبتت حضورها في مشهد المستقبل. فالإمارات سعت لإيجاد حلول للتحديات القائمة، وتعزيز مساهمة أبنائها في بنائها على المستويين الاتحادي والمحلي، بالإضافة إلى إشراك القطاع الخاص في عمليات التنمية والتطوير، وكل ذلك تم من أجل مواكبة المتغيرات وتحقيق التطلعات.
عبر العقود الماضية عرف العالم دولة الإمارات كموطن للتعايش والتسامح، فأصبحت رمزاً عالمياً لالتقاء الشعوب، وكبلد تحتفي بالإبداع والمبدعين، باعتبارها حاضنة للآمال والتطلعات التي تخدم الحضارة الإنسانية، وهي تتطلع لأن تكون مكاناً جاذباً للمزيد من الإنجازات والنجاحات. وإن ما تطمح إليه لم يأتِ من فراغ، ذلك أن المراقبين يشهدون أنها قطعت شوطاً مهماً في مشوار الألف ميل، وحققت الكثير من المنجزات التي جعلت منها مكاناً لمستثمرين كثر استطاعوا بناء استثماراتهم فيها، وللشباب العربي الباحث عن بناء الشخصية وتحقيق النجاح والتميز، وما كان لها أن تحقق سمعتها الجيدة إلا من خلال رؤية وتخطيط وعمل القيادة الدؤوب منذ أيام الآباء المؤسسين الذين تابعوا من مواقع مسؤولياتهم تنفيذ الخطط بما يقتضي الواقع، إلى أن تحولت الإمارات من بلد ناشئ في مختلف المجالات وعلى جميع الصعد إلى مركز جذب عالمي.
وبما أن قيادتنا أعلنت عن استراتيجيتها الجديدة؛ فهذا يعني أننا مقبلون على مرحلة استثنائية، ولا شك أنها فارقة في تاريخ الإمارات من حيث ضرورة الاستمرار في تطوير ما لدينا، وبناء المزيد من المشاريع التي تكفل تحقيق نجاح أكبر من سابقه، وهذا يقتضي بالضرورة معرفة وإدراك كل فرد حسب موقعه - سواء كان إماراتياً أو مقيماً - للمسؤوليات الواجبة عليه، فضريبة النجاح كبيرة، وهي تتمثل بالعمل الجاد والمخلص، وطالما أن الطموح كبير فهذا يعني أن التحديات كبيرة والمنافسة صعبة في ظل التحولات والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم.
المسؤولية تبدأ من الإخلاص في العمل والاجتهاد بما يمكّننا من تخطي مفهوم المستحيل، وذلك بما نملك من علم ومعرفة ووعي، وكي نواكب خطط القيادة للمرحلة القادمة علينا أن نتعاون جميعاً لنخطّ فصلاً جديداً في كتاب التميّز، وأنا شخصياً مطمئن بأن الإمارات ستضع بصمتها وستحقق أهدافها في الريادة في قطاعات مختلفة بحلول الذكرى المئوية لقيامها عام 2071. وما أتمناه للإمارات أتنماه بصدق للدول العربية من شرق الوطن العربي إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، إن امتلك كل فردٍ منا وعلى اختلاف مسؤولياتنا ومواقع عملنا المحبة الصادقة تجاه بلده، وروح التحدي والرغبة الحقيقية بالعطاء والإبداع؛ فإننا سنصل كلنا إلى بر الأمان، وهو ما سيمكّننا من وضع بصمتنا ثانيةً لنستعيد بعض المجد الذي سبقنا إليه أبناء الحضارتين العربية والإسلامية، ولنستكمل ما كانوا قد بدؤوا به يوم كانوا مصدر إشعاع حضاري للعالم أجمع.