نكتة كردية عَثَرت على مخرج للقوات الأميركية في العراق. وحكاية بغدادية هزلية صَوّرت ما يحدث في العراق منذ احتلاله عام 2003. ولنبدأ بالنكتة الكردية، وهي عن «طَسّة» في شارع مدينة دهوك، و«طَسّة» باللهجة العراقية تعني «عَقَبة» في الشارع. و«طَسّة» دهوك تُسّبب حوادث، يتعين نقل ضحاياها إلى مستشفى بعيد، ما دعا سكان المنطقة إلى النظر في بناء مستشفى قريب، إلا أن أحد حكمائهم اعترض على هذا الحل المُكلف، واقترح تبليط «الطسّة» وحفر «طسّة» بديلة قرب مستشفى دهوك! نكتة لكنّها الحل الجدّي لنقل القواعد الأميركية في العراق إلى كردستان، حيث تحظى «الطَسَّة» بحماية الرئيس «ترامب»، الذي ذكر في تغريدة أنه سيضرب 52 هدفاً حال تعرّض المصالح الأميركية لأي استهداف. و52 هو عدد العاملين في السفارة الأميركية الذين تم احتجازهم 444 يوماً عام 1979.
وأصاب صاروخ ترامب أحلام محللين صناعيين غربيين كانوا يتحدثون عن «منفذ مريح للإنتاج المتنامي، ويُبشرون بصدمة جميلة في هذا المضمار»، حسب الباحث البريطاني كريستوفر ديفيدسن في كتابه «حروب الظلال». وأخطر أهداف الصاروخ الورقة الرابحة لأوروبا، التي ترى هناك «مخزن حلويات بمليارات الدولارات متأهب لفتح أبوابه». وأوروبا الغربية تحتاج بشدة إلى الغاز، وقد تقاطر رؤساء شركاتها على المنطقة. ويُعلن المسؤولون عن فتح الأبواب للاستثمارات التي تتعامل مع شركات النفط متعددة الجنسية، كشركاء في مشاريع طويلة المدى فترة 33 عاماً، خصوصاً في حقول غاز شمال وجنوب «إقليم فارس» الذي يضم أكبر حقول النفط في العالم وتُقّدَرُ بمئات المليارات من براميل النفط.
وتوقيت صاروخ ترامب مع موعد مناقشة الكونغرس قرار خلعه يعمّق انقسام الرأي العام الأميركي المنقسم أصلاً حول الموضوع، حسب «واشنطن بوست». وانعكس ذلك مباشرة على مرشَحيْ الرئاسة «بايدن» و«ساندر». ويصور تعارض موقفيهما الخلافات في صفوف «الحزب الديمقراطي». فقد ركّز «بايدن» على سيرته كوزير للخارجية عشر سنوات، والتي «تجعله أفضل مرشح للرئاسة وتولي مسؤولية القيادة العامة للقوات المسلحة». مقابل ذلك أكّد «ساندر» على مناهضته الطويلة للحرب، ووقوفه ضد غزو العراق، ومثابرته على الدفاع عن الأجندة السياسية للطبقة العاملة الأميركية.
وما حدث في العراق توقّعته قصة بغدادية هزلية في مقالتنا هنا في العام الأول للاحتلال، عن أرعن غامر بدخول حمام النساء، وقد حسب لكل شيء حسابه: اللطمات والعضّات وطعنات الأمشاط، وكدمات الطاسات. وفاته أن أدوات الحمام البغدادي النسائية الجميلة، يمكن أن تلحق به أذى أكبر. وهكذا حكم العراق مغامرون فقدوا كل شيء، مثل نوري المالكي الذي وقّع اتفاقية عام 2010 التي تعفي جنود الاحتلال من المحاكمة عن أي جريمة يرتكبونها داخل العراق.
و«قاسم سليماني سيد الدسائس الإقليمية، ومؤسس محور القوة الشيعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن»، عنوان تقرير مسهب في «نيويورك تايمز» يعرض مكالمات هاتفية سرية مع مسؤولين ووزراء عراقيين فاقدين لكل شيء، يطيعونه ويتذللون له، بشكل لم يشهده البلد حتى في أحلك سنوات الاحتلال البريطاني. والمفارقة أن مسؤولين في إحدى وكالات المخابرات الإقليمية، وقد سجّلت المكالمات، ينتقدون سليماني وطريقة تعامل ميليشياته المهينة لمواطني العراق السنّة، مما يضعف (في تقديرهم) مصالح بلادهم طويلة المدى.
والرئيس ترامب الرجل المناسب في الوقت المناسب، فهو كما يقول «يحب التباري وتحدّي نفسه، وقد لا يكون هذا أمراً جيداً دائماً، فهو يجعل الحياة معقدة». ولا يجد ترامب في المنطقة، وربما العالم ككل، مثل الزعماء الأيديولوجيين؛ فمعهم «تحتاج أحياناً إلى النزاع كي تأتي بالحل، والضعف في أغلب الأحيان لا يمكّنك من الحصول على الحل المناسب، لذلك أنا عدواني، إلاّ أنني أحقق الأمور، وفي الختام كل شخص يحبني».

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا