لا يبقى في ذمة الزوج لصالح زوجته عند الانفصال إلا مؤجل المهر، ونفقة العدة والسكن خلال العدة، وأحياناً نفقة المتعة. وينتهي الأمر بكل آثاره المالية بعد ثلاثة أشهر من الطلاق الانفرادي أو التطليق القضائي.
وعلى العكس من ذلك إذا كان هناك أولاد في طور الحضانة، فثمة فاتورة طويلة متجددة تنتظره، فهو المكلّف كأب بنفقات معيشتهم من طعام وكسوة وتطبيب ونقل وخدمة وسكن. سواء أكان هو الذي أفسد العلاقة، أم هي، أم مزّقاها معاً، ذلك أن أحكام الحضانة لا علاقة لها بما جرى بينهما كزوجين.
نفقات المعيشة فيما عدا السكن «مقدورٌ عليها»، لكن الذي «يكسر الظهر» إعداد سكن للمحضون يقيم فيه مع حاضنته، وهي أمه غالباً، إلا إذا كانت تملك مسكناً تقيم فيه أو مخصّصاً لسكناها، وغالباً لا يتوفر ذلك للحاضنة، وهي غير مضطرة للعودة إلى مسكن ذويها مع المحضونين.
وفضلاً عن مسكن الحضانة، على الأب أن يهيئ مسكناً لنفسه بعد أن بات أجنبياً على أم المحضون، فهو لن ينام في الشارع. ولأنه يقيم بعيداً عن المحضون الذي يحتاج لنقل وخدمة، عليه أن يوفر مستلزمات السكن: وسيلة نقل وخادمة، فضلاً عن سداد ضروريات المسكن: فواتير المياه والكهرباء والإنترنت وبدل الأثاث.
وهكذا يجد الأب نفسه ملزماً بتوفير مسكنين اثنين بمستلزماتهما ولواحقهما، وتصبح مصاريفه «دبل». هذا «التدبيل» المالي يثقل ظهره إلى أن يتمّ أصغر أبنائه 11 سنة، وإلى أن تتمّ أصغر بناته 13 سنة، أي إلى السن المقررة لحضانة النساء. وإذا أبقى القضاء الحضانة عند الأم إلى أن يبلغ الذكر سنّ الكسب وإلى أن تتزوج الأنثى، فسيظل الأب يدفع «دبل» إلى نهاية حياته تقريباً.
أما بالنسبة للأب الأجنبي، فلو شاءت طليقته البقاء في البلاد، أُلزم بتوفير مسكن حضانة، حتى لو هيأ مسكناً في بلاده. وهكذا: مسكن حضانة، ومسكن لشخصه، ومسكن ثالث في دولته، فالمغترب لديه بيت في بلاده بطبيعة الحال. كما أن مغادرته البلاد بالأولاد يتعارض مع حق الأم في الحضانة، إلا إذا قصد المغادرة نهائياً ووفق شروط صعبة. وفي أقسام التنفيذ ملفات مفتوحة لأجانب ركبوا الطائرات مخلفين وراءهم ديون نفقة أبناء، وأمهات مثقلات بالمصاريف يتابعن إجراءات لن تعود عليهن بأية فائدة.
ولا يلام الزوج -بعد هذا- إذا اعتبر الانفصال مسألة حياة أو موت، ولا يُلام إذا اعتبر أم أولاده عدوة تسعى لتدميره، وهي لا تلام إذا كافحت لنيل حقوق الحضانة، فلابد للمحضون من سكن، ولا يكون السكن لائقاً إلا بتوفير أسباب المعيشة فيه، ما يجعل من الانفصال معركة يدخل فيها كل طرف بأعتى أسلحته، ودعوى تجر أخرى، وتبلغ الخصومة حداً يؤثر على استقرار حياة الأبناء، فهو يوغر صدورهم عليها بأنها تعتاش على حضانتهم، وهي تزرع في نفوسهم أنه لا يكترث بهم إلا من أجل المال.
لابد من إبقاء هذا النقاش مفتوحاً إلى حين التوصل إلى حل يتحمل بموجبه الأب بعض الضغط المالي الذي لا يصل إلى حد كسر ظهره، ويوفر للأم حقها في حضانة أطفالها في مسكن لائق بهم، وينشأ الأولاد في أجواء ودية.

*كاتب إماراتي