عاد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة بتغييرات مهمة في ولايته الثانية، مستنداً إلى تفويض شعبي أكثر وضوحاً في الانتخابات العامة هذا العام. ففي 2014، كان حزب مودي «بهاراتيا جاناتا» الحزب الأول الذي يفوز بأغلبية منذ أكثر من ثلاثة عقود. وفي انتخابات 2019، أبلى الحزب بلاء أحسن، بفضل استمرار شعبية رئيس الوزراء وتفكك صفوف المعارضة. ففاز الحزب الحاكم بـ303 مقاعد من أصل 542 مقعداً في الغرفة السفلى للبرلمان، مقارنة مع 282 مقعداً في 2014. في حين عجزت أحزاب المعارضة عن استمالة الناخبين، إذ لم يحصل حزب المعارضة الرئيسي «المؤتمر» سوى على 52 مقعداً.
2019 كانت سنة مختلطة، ضمت نجاحات وإخفاقات، بالنسبة لرئيس الوزراء الهندي. فمع أنه وفّى بوعد زعامة قوية، رافعاً صورة الهند عالياً على الصعيد الدولي ومواصلاً التركيز على الأمن الوطني؛ فإنه داخلياً لم يتمكن من النجاح في وقف تراجع اقتصاد البلاد، على اعتبار أن المتاعب الاقتصادية التي شملت تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة استمرت في ملاحقة حكومة «مودي» رغم محاولتها اليائسة جذب المستثمرين الأجانب، وفتح قطاعات مختلفة للاستثمار الأجنبي، وخفض ضرائب الشركات لتشجيع النمو. كما أنه إذا كانت حكومته قد استطاعت إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي كانت تمنح كشمير قدراً من الاستقلالية في العديد من المسائل، وهو ما كان يمثل وعداً قديماً لحزبه، فإن التداعيات الناجمة عن هذه الخطوة تتطلب جهوداً لإعادة الوضع الطبيعي إلى هذه المنطقة.
على جبهة السياسة الخارجية، استطاع رئيس الوزراء مودي تعزيز العلاقات الاستراتيجية الثنائية مع عدد من البلدان العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين. وخلال اجتماعات قمته الثانية غير الرسمية مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، اتفق الزعيمان على مضاعفة الجهود لإيجاد تسوية لنزاعهما الحدودي الطويل. وفي الوقت نفسه، قرر مودي عدم الانضمام إلى مجموعة «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» المدعومة من الصين، معتبراً أن الاتفاقية التجارية المقترحة سيكون لها تأثير ضار على حيوات الهنود ومعيشتهم.
وفي منطقة الهند، نجحت زيارة رئيس الوزراء مودي إلى المالديف، على نحو لافت، في توطيد العلاقات التي شهدت العديد من التقلبات خلال العقد الماضي. وفي الأثناء، ظهرت خلافات صغيرة بين الهند والنيبال حول منطقة صغيرة من الأرض اتفق البلدان على حلها بشكل ثنائي. أما في ما يخص باكستان، فقد شكّل الخبر السار المتمثل في إنشاء «ممر كارتربور» بين البلدين من أجل الزوار من طائفة الشيخ بارقة أمل، غير أنه ليس ثمة أي مؤشر على تقدم بخصوص أي نوع من الحوار بين البلدين. أما في ما يتعلق بعلاقة «مودي» مع الرئيس ترامب، فإذا كانت روابط الود بين الزعيمين واضحة في تجمع هوستن، فإن الخلاف بخصوص الاتفاق التجاري، بسبب رسوم الواردات ما زال لم يجد طريقه إلى الحل بعد، في ظل تجاهل الهند لتحفظات الولايات المتحدة بشأن اتفاق نظام الدفاع الصاروخي «إس 400» مع روسيا.
رئيس الوزراء مودي يبدأ هذا العام وأمامه الكثير من التحديات، من الاقتصاد إلى المظاهرات الضخمة التي اندلعت احتجاجاً على قانون الجنسية عبر البلاد. إذ سيتعين عليه تحديد الاتجاه الذي ستسير فيه الهند على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إضافة إلى الدور الذي ستلعبه على الساحة العالمية. فقد كانت الهند من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم قبل عامين فقط، ولكن التراجع الحاد في النمو الاقتصادي أخذ يخلق تخوفات، ذلك أن الاتجاه الذي ستسير فيه البلاد سيكون له تأثير على الاقتصاد العالمي. وتباطؤ الاقتصاد الهندي لا يبشر بالخير وستكون لها أيضاً تداعيات على الاقتصاد العالمي. وعلاوة على ذلك، فإن إقدام الحكومة على تعميم استخدام «السجل الوطني للمواطنين» في البلاد بكاملها، إضافة إلى «قانون تعديل الجنسية» المثير للجدل. وهكذا، أصبح مودي، الذي كان زعيماً ذا شعبية واسعة قبل بضعة أشهر فقط، يواجه الآن مشكلة صعبة في إطفاء النار داخل البلاد والحد من التداعيات الناجمة عنها.
داخل الهند، نأى حلفاء الحزب الحاكم من ولايات مختلفة بأنفسهم عن القانون الذي أدخل مؤخراً بسبب الاحتجاجات الضخمة. إذ رفضت نحو 10 ولايات هندية من أصل 29 تطبيقه. وبالتالي، فمن الواضح أن رئيس الوزراء الهندي أمامه الكثير من التحديات. أولها إخماد الاضطرابات والاحتجاجات التي اندلعت في البلاد، وثانيها هو المساعدة على إعادة إحياء الاقتصاد الهندي الذي لم يعد الاقتصاد الأسرع نمواً. ولا شك أن انتكاسة مزدوجة لتباطؤ الاقتصاد والاضطرابات الداخلية تمثل تحدياً كبيراً للحكومة الهندية. على أن تباطؤ الاقتصاد يعد خطيراً بشكل خاص، بالنسبة لبلد ما زال في حاجة لانتشال مئات الآلاف من الفقر.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي