«التعليم الجامعي رسالة وطنية سامية لا تتحقق إلا بالتحام هذا التعليم وتفاعله مع مشاكل المجتمع»، تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عن التعليم الجامعي وأهميته للمواطن من خلال مكانته المتميزة وعلاقته مع التطورات والتحديات التي تواجه المجتمع. التعليم الجامعي نال اهتمام قيادة دولة الإمارات منذ تأسيسها عام 1971، حيث شهد تطوراً ملحوظاً وبارزاً من ناحية الكيف والكم. وتضطلع مفوضية الاعتماد الأكاديمي، التابعة لوزارة التربية والتعليم، بدور بارز في ضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي في الدولة، الحكومية والمحلية والخاصة، من خلال تشريع وتطبيق معايير تحكم عمل تلك المؤسسات والإشراف على تنفيذها بالصورة الصحيحة، بجانب ضمان كفاءة وحوكمة الأداء التعليمي والمؤسسي. ولقد ارتفع عدد مؤسسات التعليم العالي التي حصلت على ترخيص مزاولة النشاط الأكاديمي من المفوضية إلى 81 مؤسسة تعليمية، في الوقت الذي اعتمدت فيه المفوضية 1184 برنامجاً أكاديمياً يتم طرحها في تلك المؤسسات، منها 93 برنامجاً في الآداب والعلوم الإنسانية، و309 في الهندسة والتكنولوجيا، و162 في العلوم الصحية والطب، و44 في العلوم الطبيعية، و576 في العلوم الاجتماعية.
واللافت للنظر، اعتماد مفوضية التعليم الأكاديمي مؤخراً معايير جديدة تتواءم مع منظومة المؤهلات الوطنية في الدولة، وتضمن رصانة البرامج المعتمدة وتوافقها مع ما يطرح في الجامعات العالمية وضرورة توفير الاعتمادات الدولية لها، بجانب الاهتمام الخاص بالتعليم الإلكتروني والبحث العلمي والتعليم الطبي وبرامج الدراسات العليا، إضافة إلى المواقع الإلكترونية للمؤسسات التعليمية في جوانب المعلومات الأكاديمية الأساسية التي يجب عرضها وإعلانها للمجتمع. كما تضمنت المعايير الجديدة تفصيل الإجراءات المتبعة لمحاسبة الجامعات والمؤسسات التعليمية المخالفة. ولكن من أبرز ما تضمنته المعايير الجديدة هو التركيز على الابتكار والإبداع والتعليم الذاتي، مع إلزام الجامعات باستخدام الابتكار في الاستراتيجيات التعليمية.
ومن ضمن الأهداف الوطنية التي تعمل مفوضية الاعتماد الأكاديمي على تحقيقها، تطوير وتحسين جودة التعليم الأكاديمي مما يضمن رفد سوق العمل بالكوادر البشرية المؤهلة ومساعدة الخريجين على المنافسة في سوق العمل، وذلك هدف على درجة عالية من الأهمية الاستراتيجية للحكومة التي تركز على تكوين الموارد البشرية الوطنية التي تحمل لواء التنمية في مختلف المجالات. ومما لا ريب فيه أن تحسين جودة التعليم العالي سوف يساهم في نجاح سياسة التوطين والتي قال عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي:
«التوطين ?أولوية ?اقتصادية ?واجتماعية ?وأمنية.. ?وهذه ?حقيقة ?لا بد ?أن ?يستوعبها ?الجميع».
وفي هذا الإطار أصدر سموه، قبيل نهاية العام الماضي، عشر قرارات استراتيجية تضع خريطة الطريق أمام المواطن والحكومة والجهات المستهدفة بالتوطين. وتتضمن تلك القرارات، توفير 20 ألف وظيفة في قطاعات البنوك والطيران والاتصالات والتأمين والقطاع العقاري، وإنشاء صندوق بقيمة 300 مليون درهم لتدريب وتأهيل الباحثين عن عمل اقتصار التعيينات في الوظائف الإدارية والإشرافية والخدمات المساندة في القطاع الحكومي على المواطنين وتحديد 160 وظيفة في القطاع الخاص تكون الأولوية فيها للمواطنين.
وهنا نأمل من مفوضية التعليم الأكاديمي بشكل خاص، ووزارة التربية والتعليم بشكل عام، أن تكون قد قامت بإجراء الدراسات العلمية الميدانية السليمة حول مخرجات الـ 1184 برنامجاً أكاديمياً المطروحة في الجامعات والكليات واحتياجات سوق العمل؛ إذ يتوقع المواطن الذي يٌكمل مرحلة التعليم العام أن يلتحق ببرنامج أكاديمي في مرحلة التعليم العالي، سواء في مؤسسة حكومية أو محلية أو خاصة، يساعده بعد التخرج في الالتحاق بسوق العمل بكل سهولة، بناء على ما حددته القيادة الرشيدة ضمن القرارات الاستراتيجية الخاصة بالتوطين.