إن الاختلاف بين بني البشر في أشكالهم، وألوانهم، وأجناسهم وأعراقهم ولغاتهم، وحتى في مفاهيمهم وأفكارهم حقيقة لا يمكن إلغاؤها، لأنها طبيعة بشرية وثروة من نواحٍ أخرى كثيرة، ولكن المستهجن هو استخدام هذا الاختلاف للتأسيس لمفاهيم الصراع والكراهية، في حين وضعه الله تعالى كتوجيه يتناغم والسُنة الكونية، ويقوي من روابط التعارف والانفتاح على الآخر، يقول تعالى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».
والمجتمعات المسلمة بما تمثله من أطياف بشرية تقطن في الدول التي قد تختلف عنها من حيث الخصائص الإثنية أو الدينية أو اللغوية، وبما تحمل من امتلاك الرغبة في الحفاظ على تقاليدهم ثقافيةً كانت أو دينيةً وممارستها ضمن تشكلات بشرية، لابد وأن تمنح مكانتها السليمة، فأفرادها شركاء في نهضة الأوطان ورقيها، وصون الأمن المجتمعي، والتعايش والانسجام مع المكونات الأخرى، مع إقرار حقها كفاعلة في منظومة العقد الاجتماعي التي تقدم فيها الواجبات، وضمان حماية هويتها الثقافية من الناحية التربوية، والأخلاقية والفكرية، مما يجعل منها جسداً قوي المناعة ضد المؤثرات الضاغطة من طرف جماعات صناعة الموت وشحن منابع الانزواء والنظرة الاستعلائية ضد الآخر، فهي كمجتمعات مسلمة شريك لا منافس. ولذا بادرنا بوصف جوانب «المغايرة» لأفراد هذه المجتمعات بالدين أو اللون أو العرق، لا تفرقةً بل إبرازاً لوجود ما أسميه «ثروة الثروة»، ذلك أن الإنسان بحد ذاته ثروة مقدرة، فكيف يكون حين يجتمع مع إخوته في الإنسانية وكلٌ منهم يحمل اختلافاً مغنياً لمجتمعه. يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك ! وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم».
ربما علينا إيجاد «النافذة الصحيحة» التي لابد للعالم من أن ينظر من خلالها للمجتمعات المسلمة، بعيداً عن القول بأن لتلك المجتمعات زاوية أخرى، أو جانب غامض نهم للاكتشاف، إذ تعتبر المجتمعات المسلمة، مكوناً حقيقياً وأساسياً وفاعلاً وبارزاً في بلدانهم، بل وإن أفرادها أثبتت ما نالت من مكانات ومناصب سياسية واقتصادية ورياضية وفنية لمعت على مستوى العالم، وتجد العديد من الإسهامات البارزة لهم في الميدان العلمي والفكري والسياسي.
ولعل المجتمعات المسلمة تعاني من عدة تحديات خارجية، وآثار رجعية للتحولات العالمية عليها، ولكن لا يمكن التغافل عن سوء تأثير الجماعات التي تقدم نفسها للعالم على أساس أنها الممثل الرسمي لها، والصوت الحقيقي لهمومها، إذ أن أهم ما يخدم المجتمعات المسلمة هو النجاح بالتصدي لجهات استغلالها من جماعات التوظيف المصلحي للإسلام خاصة السياسي، إذ لا علاقة لها بالإسلام عدا أنها ملوح بارع بالشعارات المأخوذة من الإسلام لتحقيق مآرب أخرى.
وللمؤسسات الإسلامية أن تسعى بدل أن تتأمل للنهوض بأفراد المجتمعات المسلمة، واحتواء همومهم، والعمل على الوقوف في وجه التحديات، إيماناً بأهمية تلك المجتمعات وتأثير إنجازاتها ومشاركتها وتعايشها على الوعي الجمعي، وبالتالي انعكاس ذلك على نهضة البلدان والتخلص من آفة التطرف، ومحاولاته المتجددة.
وفي هذا الصدد لا نجد أي مكان يناسب ما يقال بأن الوجود سواء أكان للمجتمعات المسلمة أو المسيحية، أو غيرها يعتبر دخيلاً أو عازلاً للدول عن نهضتها وريعان مسيرتها، فهذه دولة الإمارات العربية المتحدة تحتضن جمعاً بشرياً فائق التنوع، صاعدةً بقيمته الإنسانية، ومغنية لتجربته العملية، ومنظومته الفكرية والأخلاقية، لتشرك العالم بمن فيه مؤخراً باختيار هوية الدولة الإعلامية، والتي أعلن مؤخراً اختيارها من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظهما الله ورعاهما، ومراهنةً على إثبات الأثر البشري والجدوى من المشاركة بزراعة شجرة مقابل كل تصويت في أنحاء العالم، وليس على أرضها وحسب.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة