ترزح معظم دول وشعوب العالم تحت وطأة عبء مرضي هائل، ناتج عن الأمراض المزمنة غير المعدية. حجم هذا العبء يتضح من حقيقة أن 70 في المئة من وفيات الجنس البشري، أي ما يعادل 41 مليون وفاة سنوياً، تحدث نتيجة الإصابة بأحد أنواع الأمراض المزمنة غير المعدية. مثل أمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، والسكري، والأمراض التنفسية، واضطرابات الصحة العقلية، وذلك حسب تقرير تقدمت به المفوضية الدولية العليا للأمراض غير المعدية إلى منظمة الصحة العالمية، بداية شهر ديسمبر الماضي.
وترتبط الأمراض المزمنة غير المعدية بشكل خاص بما يعرف بعوامل الخطر، والتي كما يدل اسمها، هي العوامل والظروف التي تزيد من احتمالات الإصابة بمرض ما. وأحياناً ما يستبدل هذا المصطلح بمصطلح محددات الحالة الصحية، على أساس أن هذه العوامل والظروف لا تزيد فقط من احتمالات الإصابة بالمرض، بل أحياناً ما تكون سبباً خلف خفض تلك الاحتمالات. كما هو الحال مع نقص النشاط الرياضي والبدني، والذي يعتبر عامل خطر خلف الإصابة بأمراض القلب، لكن في الوقت نفسه تؤدي زيادة النشاط البدني والرياضي إلى خفض احتمالات الإصابة بأمراض القلب. ولفهم دور عوامل الخطر، ينبغي التفرقة بين العلاقة الارتباطية والعلاقة السببية لهذه العوامل، حيث إن ارتباط عامل الخطر بمرض ما، لا يعني تسببه في الإصابة بهذا المرض. فعلى سبيل المثال، يرتبط سرطان الثدي بالجنس، حيث يصيب هذا المرض الإناث في الغالب، مما يجعل المرأة أكثر عرضة للإصابة، وإن كان هذا لا يعني أنه بسبب كونها أنثى قد أصيبت بالمرض، حيث يصيب سرطان الثدي الرجال أيضاً.
ويمكن إدراك مدى فداحة تأثير عوامل الخطر على احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة، من حقيقة أن تجنب خمسة فقط منها، وهي التدخين، وشرب الكحوليات، وعدم ممارسة النشاط البدني، وزيادة الوزن والسمنة، وتناول غذاء غير صحي، يمكن أن يضيف إلى حياة الشخص ما بين سبعة إلى عشرة أعوام خالية من المرض.
هذه كانت خلاصة دراسة أجراها قسم التغذية التابع لكلية الصحة العامة بجامعة هارفارد الشهيرة، ونشرت نتائجها في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة (BMJ). وتعتبر هذه الدراسة الأخيرة امتداداً لدراسة كبرى تم فيها متابعة 38 ألف رجل لمدة 28 عاماً، و73 ألف امرأة لمدة 34 عاماً. وما اكتشفه الباحثون أن النساء اللاتي اتبعن نمط حياة جنبهن عوامل الخطر الخمس تلك عند بلوغهن سن الخمسين، زاد متوسط العمر أو مؤمل الحياة لديهن بأكثر من 14 عاماً، مقارنة بالنساء اللاتي لم يتجنبن عوامل الخطر تلك. وعلى المنوال نفسه، زاد متوسط العمر أو مؤمل الحياة للرجال الذين اتبعوا نمط حياة جنبهم عوامل الخطر الخمس بداية من العقد الخامس، بمقدار 12 عاماً، مقارنة بأقرانهم الذين لم يتجنبوا أياً منها.
ويمكن تلخيص نمط الحياة الصحي الذي اتبعه من تجنبوا عوامل الخطر، وغنموا بسببه أكثر من عقد كامل من الحياة، خالٍ من الأمراض، بأنه أسلوب حياة من دون تدخين، أو شرب الكحوليات، مع المحافظة على مؤشر كتلة جسد أقل من 25، أي وزن مثالي، بالإضافة إلى ممارسة النشاط البدني لمدة 30 دقيقة على الأقل يومياً، مع الاعتماد على غذاء صحي متوازن.
وبالنظر عن كثب للأمراض المزمنة، وخصوصاً تلك التي تحتل مرتبة متقدمة على قائمة أسباب الوفيات البشرية، ظهر أن النساء اللاتي اتبعن نمطاً حياة صحياً، بتجنب 4 أو 5 من عوامل الخطر سابقة الذكر لمدة عقدين أو ثلاثة، تجنبن الإصابة بالسرطان لمدة أطول بلغت 8 سنوات، والإصابة بأمراض القلب والشرايين لمدة 10 سنوات، والإصابة بالسكري لمدة 12 عاماً. وبشكل مماثل، تجنب الرجال الذين اتبعوا نمط حياة صحياً الإصابة بالأمراض السرطانية لمدة 6 سنوات، مقارنة بأقرانهم الذين لم يتجنبوا عوامل الخطر، كما تجنبوا الإصابة بأمراض القلب والشرايين لمدة 9 أعوام، والإصابة بالسكري لمدة 10 أعوام.
وإذا نظرنا للأمور من الجهة المعاكسة، سندرك أن عوامل الخطر تلك، لا تطيل في الحقيقة عمر من يتجنبونها، بل تقصف عمر من لا يتجنبوها، وبنفس مدى وفداحة التأثير، حيث يلقى من لا يتجنب عوامل الخطر تلك حتفه مبكراً بـ14 عاماً بالنسبة للإناث، وبـ12 عاماً للذكور. كما أن السن التي يصابون فيها للمرة الأولى بأحد أنواع الأمراض المزمنة غير المعدية، تقل أحياناً بعقد كامل، كما هو الحال مع أمراض القلب والشرايين، والتي تصيب النساء في عمر أصغر بـ10 سنوات، مقارنة بأقرانهن، وتصيب الرجال في عمر أصغر بـ9 سنوات، مقارنة بأقرانهم الذين يلتزمون بنمط حياة صحي.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية.