«القاعدة الأولى هي أن عليك ألا تخدع نفسك – وأنت أسهل شخص يمكن خداعه». هكذا قال عالِم الفيزياء الأميركي ريتشارد فينمان. وفي ما يتعلق بالمعلقين والسياسة هذا العام، سأعدّل نصيحة «فينمان» على النحو التالي: «القاعدة الأولى هي أن عليك ألا تخدع نفسك وألا تعتقد أن بيرني ساندرز لا يستطيع الفوز، ليس بترشيح الحزب الديمقراطي فحسب، وإنما بالرئاسة نفسها».
هذا التحذير ينطبق عليّ مثلما ينطبق على أي شخص آخر أمضى الأشهر الماضية، أو السنوات الماضية، في التأكيد على أن سيناتور ولاية فيرمونت ليست لديه فرصة في الفوز. والحقيقة هي كالتالي: إننا لا نرغب في أن يتم انتخاب ساندزر، فنقول لأنفسنا إنه لا يستطيع أن يُنتخب.
نظرياً، قد يكون دعم ساندرز قوياً، ولكنه منفر أيضاً وأشبه بدعم أتباع طائفة دينية لزعيمها. ذلك أن الكثير جداً من الأميركيين يعرفون ما يكفي عن الاشتراكية، حتى يرغبوا في رئيس يفخر بحمل هذا المصطلح (حتى وإن كان يلح على أنها من نوع حميد). إنه يتبنى كل السياسات نفسها تقريباً (مثل «ميديكير للجميع») التي رفعت إليزابيث وران عالياً في استطلاعات الرأي، قبل أن تبدأ في جرها نحو الأسفل مؤخراً.
ثم هناك مقاطع الفيديو تلك التي يظهر فيها وهو يقول أشياء جيدة عن الاتحاد السوفييتي، أو يدافع عن نظام سانديستا في نيكاراغوا، أو يجد شيئاً إيجابياً في نظام كاسترو الدكتاتوري. ألم يَقُد جيريمي كوربن، الذي لديه ميولات إيديولوجية مماثلة، حزب العمال البريطاني إلى كارثة مؤخراً؟
الأمر كله يبدو مقنعاً للوهلة الأولى – ومألوفاً على نحو مخيف. ذلك أن هذا ما كان يقوله كثير من المحافظين عن دونالد ترامب، في مثل هذا الوقت تقريباً، قبل أربع سنوات.
فكما هو الحال مع ساندرز، كان يُنظر إلى ترامب على أنه بعيد جداً عن التيار الرئيسي لحزبه: شخص مؤيد للحمائية التجارية في حزب مناصر للتجارة الحرة، وشخص يميل للانعزالية في حزب دعاة التدخل، وشخص متحرر جداً في حزب المدافعين عن الأخلاق. وعلى غرار ساندرز، فإن ترامب بالكاد كان ينتمي للحزب الذي سعى للحصول على ترشيحه. وعلى غرار ساندرز أيضاً، تمثلت رسالة ترامب في أنه كان يحارب «نظاماً مختلاً ومعطوباً».
وعلى غرار ساندرز، فإن النبذ الإيديولوجي لترامب بين «المحافظين» كانت تضاهيه القناعة بأنه لا يستطيع الفوز. «لننتخب هيلاري الآن» كان عنوان مقال محافظ يتحسر على شعبية «جمهوريين» غير قابلين للانتخاب على ما يفترض، كُتب نهاية 2015. وأنا أعرف هذا المقال جيداً لأنني كتبته.
لقد فاز ترامب لأنه كان مستعداً ليقول بصوت عالٍ ما كان يؤمن به أنصاره في قرارة أنفسهم، لأنه بازدرائه بما يفترض بالسياسيين أن يكونوا عليه ويفعلوه، كان ينضح بالجدة والأصالة، ولأنه كان مكروهاً من قبل الأشخاص الذين كان يجدهم أنصاره بغضاء، ولأنه كانت لديه منافسة كانت تجسّد، في أذهان أنصاره، الفساد وخدمة المصالح الشخصية، ولأنه كان يقترح حلولاً جذرية لبلد وجد أنه مريض جداً. ومع أنه أكبر رجل سناً يتم انتخابه رئيساً، إلا أنه كان يبدو (لناخبيه) جديداً وصادقاً وجريئاً ومطلوباً بشدة.
هكذا هو الحال مع ساندرز وهكذا سيكون. درجة الإقناع؟ علامة. السخط على القواعد التقليدية؟ علامة. يعارَض من قبل كل الأشخاص المناسبين؟ علامة. يخوض السباق ضد منافس «مخالف للقانون»؟ علامة. التزام بتغيير جذري؟ علامة. وعلى غرار ترامب أيضاً، فإنه لا يخوض حملة من أجل المنصب بقدر ما يقود حركة. والأشخاص الذين ينضمون إلى الحركات ليسوا أشخاصاً يتم إقناعهم، بل أشخاص يؤمنون بالحركات ويعتنقونها. وعمق إيمانهم محفز ومُعدٍ.
قوة حركة «ساندرز» تعكسها أرقام التبرعات التي جمعتها حملته – قرابة 100 مليون دولار لسنة 2019 – والتي لم تزدد إلا ارتفاعاً بعد نوبته القلبية الأخيرة. وإذا فاز «ساندرز» في الانتخابات التمهيدية بولاية آيوا ونيوهامبشر، فإن الحجة بخصوص عدم قابلية انتخابيه المفترضة ستبدأ في التهافت.
ولكن حتى إذا فاز ساندرز بالترشيح «الديمقراطي»، فكيف سيفوز في انتخابات الرئاسة؟ ربما بشكل أسهل مما يعتقده الناس.
إن الاحتدام بين الناخبين الذين يميلون إلى الحزب «الديمقراطي» سيكون كبيراً جداً. والأرجح أنه لن يكون هناك متسابق ثالث مثل رالف نادر ليقلص هامشه، أو جناح نافذ بين المعلقين الليبراليين يرفع شعار «أبدا ساندرز!». والأرجح أيضاً أن يتلقى دعماً من ناخبي ترامب السابقين في أماكن مثل أوهايو وميشيغن، تماماً مثلما لقيه ترامب بين ناخبي أوباما السابقين. ولتحميس دعم الأميركيين الأفارقة، يمكن أن يختار إيريك هولدر أو ستايسي أبرامز رفيقاً له في السباق.
إنني أكتبُ كل هذا كشخص يعتقد أن رئاسة ساندرز ستكون مدمرة على العديد من المستويات: عبر تحويل الحزب الديمقراطي إلى حزب اشتراكي، وعبر تحويل الاقتصاد الأميركي إلى اقتصاد تسيطر عليه الدولة، وعبر إضعاف مكانة أميركا في العالم. إنني أكره أن أراه يفوز بالترشيح، تماماً مثلما كرهت رؤية ترامب يفوز به في 2016. ولكن الأماني ليست حقائق. والقول إن ساندرز غير قابل للانتخاب شيء يصعب الدفاع عنه.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/01/10/opinion/bernie-sanders-2020.html