أفردت «مئوية الإمارات 2071» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في عام 2017، بصفتها رؤية شاملة وخريطة طريق لمنظومة العمل الحكومي في الدولة للخمسين عاماً المقبلة، محوراً خاصاً للتعليم، نظراً لأهميته في إعداد وتكوين أجيال قادرة على الانسجام مع مستجدات العصر، وتحقيق رؤية الدولة وأهدافها التنموية وطموحاتها في المجالات كافة. المحور الذي حمل عنوان «تعليم للمستقبل» يركز على مجموعة من الأهداف على مستوى التعليم العام والعالي، ويخصص مجموعة من البنود التي ترمي إلى رفع سوية التعليم العالي في جامعات الدولة، بحيث تواكب مخرجاته أحدث التطورات العلمية العالمية، وتكون قادرة على قيادة وتنفيذ المشروعات العملاقة والطموحة التي تطلقها الدولة، وفي مقدّمة تلك البنود تعزيز مستوى تدريس العلوم والتكنولوجيا المتقدمة، لاسيما في مجالات الفضاء والهندسة والابتكار والعلوم الطبية والصحية، وتعزيز مستوى الاحترافية والمهنية في المؤسسات التعليمية، وتكوين عقول منفتحة على تجارب الدول المتقدمة، ووضع آليات لاستكشاف المواهب الفردية للطلبة منذ المراحل الدراسية الأولى، وتحويل المؤسسات التعليمية في الدولة إلى مراكز بحثية عالمية.
وفي هذا السياق جاءت مناقشة المجلس الوزاري للتنمية مسألة إعداد قانون اتحادي بشأن التعليم العالي، يسهم في تحقيق نقلة نوعية في هذا القطاع الاستراتيجي، ويضمن أعلى مستويات الانسجام بين ما تطرحه الجامعات والمؤسسات الأكاديمية من برامج، وما تحتاج إليه الدولة على مستوى القطاعين العام والخاص من تخصصات ومهارات، ويحدّ من التضخم الذي بات ملحوظاً في العديد من المجالات الدراسية، نظراً لارتفاع عدد خريجيها وتعدد المؤسسات التعليمية التي تطرحها، وهو ما يشكل بالنتيجة جهداً مهدراً بالنسبة للخريجين الذين يواجهون بعد تخرجهم واقعاً قد يكون في بعض الأحيان مغايراً لما كان يدور في أذهانهم من تصورات، وعاملاً ضاغطاً على سوق العمل بشقيه الحكومي والأهلي، بسبب عدم وجود الفرص والشواغر الكافية لأعداد الخريجين.
مسألة أخرى تستلزم الالتفات إليها وأخذها بعين الاعتبار أثناء إعداد القانون، وهي تطوير معايير الاعتماد العلمي، خصوصاً تلك المتعلقة بالشهادات العليا (درجتي الماجستير والدكتوراه) التي تصدر من جامعات خارج الدولة على وجه التحديد، والضوابط الخاصة بآليات الحصول عليهما، والشروط الواجب توافرها لاعتماد الجامعات التي تصدر مثل هذه الشهادات وكذلك للاعتراف بالشهادة ومعادلتها، ومن بينها مدة الانتظام الدراسي، وشروط الدراسة عن بُعد، ومنهجيات إعداد الرسائل والبحوث العلمية، وذلك نظراً لما بات يشوب هذا المجال في العديد من دول العالم من فوضى وقصور في اتباع الأصول العلمية والتدريسية.
سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، أكّد خلال ترؤسه اجتماع المجلس الوزاري للتنمية أن تطوير المنظومة التعليمية محل اهتمام مباشر من القيادة الرشيدة، لما لها من أثر في تمكين الدولة من تحقيق رؤيتها، وإسهامها في جميع المؤشرات الأساسية المتعلقة بالتنافسية والتنمية البشرية ونوعية الحياة، وشدد على ضرورة: «جودة البرامج التعليمية المقدمة واتساق مخرجاتها مع المستويات العالمية واحتياجات سوق العمل، لنضمن الوصول إلى نظام تعليمي متفرد ونموذجي يلبي تطلعات المجتمع، ويعزز تنافسية التعليم العالي».
المطلوب في المحصلة هو الوصول إلى نظام تعليم عالٍ شامل ومتكامل يحقق هدفين أساسيين: أن تكون الإمارات في مقدّمة دول العالم في جودة التعليم وتميّز مخرجاته وامتلاكها المهارات والمعارف اللازمة للتعامل مع علوم العصر وتقنياته، وتلبية احتياجات الدولة من القوى البشرية المواطنة المؤهلة القادرة على إدارة مراحل عمليات التنمية كافة وفي جميع المجالات الإدارية والفنيّة والتخصصية.
إن تنافسية الإمارات وتميّزها نهج ثابت ومبدأ راسخ لا يقبل النقاش، تؤكده القيادة الرشيدة في كل مناسبة، والتعليم العالي ركيزة مهمة من ركائزه، وتطويره بما ينسجم مع رؤية الدولة عامل حاسم في تعظيم إمكاناتها وقدراتها في هذا المجال، وهو ما يتمّ من خلال تأهيل مدخلاته وتجويد مخرجاته بالتعاون والتشارك مع القطاعات المعنية في المجتمع.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.