حين يجتمع أعداء زعيم أوروبي متمرد ويشكلون فريقاً ضده، فهذا هو الوقت الذي يتعين فيه عليه كسب ود صديق قوي جديد. فقد دأب فيكتور أوربان على الاستخفاف بالاتحاد الأوروبي الذي انتقد رئيس الوزراء المجري بسبب «محاباته لدائرته المقربة وتقويضه حكم القانون في بلاده». لكن من خلال تحالف لم يكن محتملا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد يصبح أوربان قوة تساعد الاتحاد الأوروبي على تغيير نهجه. والأرضية المشتركة تتسع حين يتعلق الأمر بالتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب. والعلاقة بين ماكرون وأوربان قد تثبت أهميتها عام 2020 مع مغادرة بريطانيا التكتل وتراجع دور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قامت بدور الجسر بين شرق أوروبا وغربها.
والواقع أن تغيير التحالفات يهدد بإفشال أي جهود جديدة لإخضاع أوربان. فهو يتعرض لطرد محتمل من «حزب الشعب الأوروبي»، أكبر مجموعة في البرلمان الأوروبي، بعد أن تولى رئيس المجلس الأوروبي السابق دونالد توسك قيادة المجموعة وتعهد بتطهيرها من الشعبويين. ويتوقع أن يصوت «حزب الشعب الأوروبي» الشهر المقبل على مسألة إقصاء حزب «فيدس» الذي ينتمي إليه أوربان، لكن هذا ربما لم يعد يعني فصلا باهظ الكلفة. ويرى دانيال هيجيدوس الباحث في صندوق مارشال الألماني البحثي في برلين أن «أوربان وماكرون قادمان من منطلقات مختلفة للغاية، لكنهما يسعيان إلى تغيير الحال الراهن. وثمة حالياً كلام عن محور أوربان وماكرون في أوروبا».
وأوربان من المؤيدين للديمقراطية غير الليبرالية المناهضة للهجرة. وماكرون يسعى لأن يكون القوة الوسيطة الرئيسية في القارة. فكل واحد منهما يتبنى معايير مختلفة للغاية في النظر إلى أوروبا.. لكن ظهرت مؤخراً علامات واضحة على التقارب بينهما، تجلت في استقبال حرس الشرف لأوربان في قصر الأليزيه بباريس في أكتوبر الماضي. وكان الاجتماع مقرراً له أن يستمر ساعة لكنه استمر أكثر من ساعتين. وهذا يناقض الأيام الأولى لماكرون في السلطة. فأثناء حملته الرئاسية عام 2017، اتهم الشعبويين -مثل أوربان- باستخدام الاتحاد الأوروبي كـ«سوق» يحصلون منه على التمويل، لكنهم لا ينفذون الالتزامات الديمقراطية.
وسجل ماكرون موقفاً حين استثنى بودابست في أول رحلة له إلى شرق أوروبا. وأرسل سفيراً جديداً إلى المجر بعد أن وصف سفيره السابق سياسات أوربان كـ«نموذج» يحتذى لأوروبا. وكان أوربان (56 عاماً) قد وصف ماكرون (42 عاماً) بأنه «الطفل الجديد» الذي لا يفهم المنطقة. وحين زار أوربان الزعيم القومي الإيطالي ماتيو سالفيني في أغسطس 2018، قال ماكرون: «إذا كانا يريدان أن يريانني كخصم رئيسي لهما، فلهما ذلك». وبعد بضعة أسابيع، وصف ماكرون تصويتاً في البرلمان الأوروبي يؤنب أوربان باعتباره خطوة أولى لمكافحة «غير الليبراليين» في المنطقة. لكن العام الماضي شهد التقاء المصالح، مع سعي ماكرون لتوسيع تحالفاته في القارة.
وفي البرلمان الأوروبي، الصيف الماضي، اتصلت هذه المصالح في اتفاقات الغرف المغلقة في بروكسل للإبقاء على هيمنة الزعماء القوميين في اختيار الرئيس التنفيذي التالي للاتحاد الأوروبي، برفض اختيار مجموعة حزب الشعب الأوروبي لرئيس المفوضية الأوروبية. ويرى معاونو أوربان أن هناك أرضية مشتركة في بعض القضايا التي تواجه أوروبا بما في ذلك كيفية إدارة العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة. ولطالما دافع الزعيم المجري عن التقارب مع بوتين أمام اعتراضات من الاتحاد الأوروبي. والتقارب بين ماكرون وأوربان مؤخراً يشف عن تغير جديد في تكتيكات ماكرون. فقد توقف عن استخدام نهج «نحن ضدهم» لمواجهة ما وصفته ميركل وتوسك بقوى الظلام. وأوفد الرئيس الفرنسي وزير خارجيته إلى عدد من دول أوروبا الشرقية في وقت مبكر من العام الجاري. لكن دعوته لتشديد السياسات البيئية، وإجبار دول «شينغن» على استقبال مزيد من المهاجرين وإلا تعرضت للطرد.. ستواجه على الأرجح رد فعل عنيف في المنطقة. وصرحت وزيرة العدل المجرية «يوديت فارجا» في مقابلة مع صحيفة «دي فيلت» الألمانية، الشهر الماضي، أن ماكرون وأوربان «ربما لديهما رؤية مختلفة في التفاصيل، لكن كلاهما يشعران بأن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى نهج مشترك في كيفية التعامل مع الصين وروسيا والولايات المتحدة». وأظهر الرجلان قدرة على التقاط الفرص السياسية. فكلاهما عرقل الوضع الراهن في الداخل ويريد ممارسة نفوذ أكبر في الخارج.
وحين وصل أوربان إلى السلطة للمرة الأولى عام 1998، كان يعتبر زعيماً شاباً ووجهاً جديداً يمثل أوروبا الجديدة التي ظهرت بعد انتهاء الحرب الباردة. وحين شكّل ماكرون حزباً جديداً-«الجمهورية إلى الأمام»- للفوز بالرئاسة الفرنسية، حظي بإشادة مشابهة باعتباره الرجل الذي سيساعد في إدارة دفة السياسة الأوروبية بعيداً عن القومية التي هددت بتقويض الاتحاد الأوروبي. والسؤال الآن يتعلق بكيفية دخول سياسي محنك آخر في المعادلة. فتوسك، وهو رئيس وزراء بولندا السابق ورئيس المجلس الأوروبي، يحشد دعم حزب الشعب الأوروبي من أجل كسب أرضية للوسط السياسي. ودعا الأعضاء في خطبة نارية في زغرب في نوفمبر الماضي بأن يتنصلوا من الشعبوية، وهو ما اُعتبر على نطاق واسع إنذاراً استهدف أوربان.
وفي مارس الماضي، عُلقت عضوية حزب «فيدس» لمعارضته الديمقراطية الليبرالية وتقرّبه من زعماء اليمين المتطرف. وفي ذاك الوقت، انتقد ماكرون وحزبه المجموعة لتهاونها الشديد مع أوربان. وصرّح أوربان أنه سيترك مجموعة حزب الشعب الأوروبي، قبل أن يطرده رسمياً. ويرى ريتشارد يونجس، الباحث في مؤسسة كارنيجي، أن «قضية أوربان وحزب الشعب الأوروبي تمتد خيوطها إلى معركة أكبر بكثير على السلطة والنفوذ في الاتحاد الأوروبي».
 
زولتان سايمون وهيلين فوكيه*

*صحفيان متخصصان في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»