انعقد يوم أمس الأحد مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية بحضور دولي واسع على مستوى الرؤساء، مما يعكس الرغبة الدولية في التوصل إلى حل للصراع الليبي. وقد شاركت دولة الإمارات في المؤتمر الهادف إلى إحلال السلام في ليبيا، والذي دعت إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وشاركت فيه أطراف الصراع وعلى رأسها المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وفايز السراج رئيس «حكومة الوفاق الوطني»، إضافة إلى قائمة تضم 11 دولة مدعوة هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والإمارات وإيطاليا والكونغو ومصر والجزائر وتركيا، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، حيث تسعى ألمانيا والأمم المتحدة إلى دفع طرفي الصراع الليبيي إلى قبول وقف إطلاق النار ووضع آلية لفرض الهدنة كخطوة أولى لإحلال السلام.
لقد أثار دخول تركيا على خط الصراع الليبي علامات الاستفهام مجدداً حول الدور الأوروبي الذي استمر بالتراجع منذ تدخل «الناتو» للإطاحة بالعقيد معمر القذافي عام 2011، في ظل التنافس الإيطالي الفرنسي، وفي ظل الخشية الأوروبية من تدفق المهاجرين جراء تحول ليبيا إلى ساحة صراع دولي وإقليمي مفتوحة. فهل تملك أوروبا موقفاً موحداً تجاه الملف الليبي؟ وهل بوسع الأوروبيين لعب دور حقيقي وفعال في هذا الملف؟
لقد بدأت تركيا إرسال مقاتلين لدعم حكومة «الوفاق» برئاسة السراج، بعد إعلان الرئيس التركي في 5 و8 يناير وصول 35 عسكرياً إلى طرابلس وإقامة مركز عمليات. كما دعا أردوغان من خلال مقال نشره موقع «بوليتيكو الإلكتروني»، عشية انعقاد المؤتمر، أوروبا إلى دعم جهود بلاده في ليبيا، قائلا: «على أوروبا أن تظهر للعالم أنها لاعب مهم على الساحة الدولية».
الدول الأوروبية معنية بملف الصراع في ليبيا، وعبر السنوات الماضية شكّلت ليبيا ساحة للتنافس الإيطالي الفرنسي لدرجة تبادل الاتهامات بين البلدين. فإيطاليا مستاءة من التدخل الفرنسي في بلد تعتبره جزءاً من نفوذها كقوة مستعمرة سابقة. وفرنسا لها مصالح سياسية واقتصادية يترجمها التنافس الشرس على النفس الليبي بين شركتي النفط والغاز «توتال» (الفرنسية) و«إيني» (الإيطالية).
وتراهن الدول الأوروبية اليوم، في مؤتمر برلين، على استعادة زمام الأمور من خلال دعم المساعي الألمانية. فأوروبا لن تقبل تهميشها بينما تتحرك موسكو وأنقرة بجرأة للإشراف على إنهاء النزاع بشروطهما. وتلعب ألمانيا دور الوسيط المحايد في محاولة جادة لتهدئة الأوضاع في ليبيا، خاصة أن الدور الألماني مقبول ليبياً لأسباب تاريخية، فألمانيا ليس لها ماض استعماري في ليبيا، ولا تدعم أي طرف في الصراع، ولم تتورط في الحرب الدائرة هناك.. لذا تتضاعف فرص إمكانية التوصل إلى حل مقبول. كما تحاول أوروبا من خلال الوسيط الألماني تقليص الدورين التركي والروسي، خاصة بعد فشل المحادثات الليبية الأخيرة في موسكو.
ويتضمن مشروع بيان «مؤتمر برلين» ستة محاور، هي: وقف دائم لإطلاق النار، واحترام حظر توريد الأسلحة، واستئناف العملية السياسية، وإصلاح الاقتصاد، واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، ووضع آلية دولية للتنفيذ تحت رعاية الأمم المتحدة. وستتحول مخرجات المؤتمر إلى قرار لمجلس الأمن الدولي.
وعلى وقع الهدنة الليبية الهشة، يأتي مؤتمر برلين كمحاولة لخلق توافق دولي داعم للاستقرار في ليبيا، لكن التناقض الحاد بين مصالح أطراف الصراع يقلص فرص نجاح المؤتمر في ظل معادلات القوة القائمة. ومع ذلك فأوروبا مطالَبةٌ بالتحرك في الملف الليبي، وبالقفز فوق خلافاتها (الفرنسية الإيطالية)، وإلا فسيتكرر سيناريو سوريا وسيصل لهيب الحرب الليبية إلى «القارة العجوز» عبر المهاجرين والإرهاب.