«إخوان» تونس رجعوا للمشهد السياسي من جديد وأصبح مرشدهم العام راشد الغنوشي رئيساً للبرلمان التونسي في الفترة ما بعد وفاة الرئيس السابق قائد السبسي، ما يعني أن «إخوان» تونس لم يزل لهم حضورٌ قويٌ في الإدارة السياسية للبلاد.
بالمقابل، فـ«إخوان» السودان يعيشون واحدةً من أسوأ لحظاتهم التاريخية بعدما حكموا السودان لثلاثة عقودٍ بالحديد والنار، وهم لم يستوعبوا الدرس بعد ويسعون جهدهم للعودة للقيادة السياسية بأي ثمن وبأي شكلٍ.
كان حسن الترابي هو المُنظر الأكبر لـ«إخوان» السودان، وكان الغنوشي وما زال هو المنظر الأكبر لـ«إخوان» تونس، وكان الاثنان يقدمان نفسيهما باعتبارهما مستقلين عن التنظيم «الإخواني» الأم في مصر، وعندما جد الجد وحانت لحظة «الربيع» الأصولي في عدد من الجمهوريات العربية 2011 اتضح للجميع أن انتماءهما للجماعة عميق وثابت وأصيل في فكريهما ومنهجيهما.
«إخوان» تونس وحركة «النهضة» و«الغنوشي» مرتبطون بشكل أساسي بكل جماعات العنف الديني في تونس وشمال المغرب العربي، وقد تجلى هذا في تونس في عمليات اغتيال وعمليات إرهابية متعددة ثبت تورط «الإخوان» فيها وهي من قبل ومن بعد، الحاضنة الأم لكل جماعات الإرهاب في تونس شأنها شأن الجماعة الأم في مصر، وما تفرع عنها من جماعات إرهابية في مصر والعالم، وقد لجأت الجماعة للعنف لتحمي طموحاتها السياسية، ولكنها لم تصل بعد إلى بابٍ مسدود يدفعها لتبني العنف بشكل منهجي كامل.
«إخوان» السودان ومع خسارتهم للدولة والحكم لم يستوعبوا الدرس، ولم ينتبهوا لتغير الوقت والمعطيات، فلجأوا مباشرة للعنف عبر تدبير عمليات انقلابية دموية إرهابية بدعم من حلفائهم في تركيا والتنظيم الدولي، وهم لن يتوقفوا عن ذلك في القريب العاجل، فاللجوء للعنف عند الخسارة السياسية منهجٌ ثابتٌ لدى جماعة «الإخوان» منذ نشأتها وفي كافة فروعها لسبب بسيط هو أن هذه الجماعة قد أنشئت من أول يوم على العنف و«يوم الدم» و«التنظيم السري» ولحظات السلم والمدنية التي مرت بها في تاريخها إنما هي لحظات استثنائية سببتها ضغوط سياسية تجبرها على تغيير جلد العنف بجلد المدنية وما تلبث أن تعود لأصلها وتمارس العنف.
الغضب الذي ثار في البرلمان التونسي ضد الغنوشي غضب مستحق، وذلك أن كثيراً من أعضاء البرلمان التونسي يعلمون جيداً أن انتماء «الغنوشي» الأعمق هو لجماعة «الإخوان» وليس للدولة التونسية ولذلك فهم احتجوا بقوة على زيارة الغنوشي لأردوغان وانحيازه لمحور «الإخوان» الإقليمي دون استشارة البرلمان ودون إقامة أي اعتبار للأحزاب والقوى السياسية فضلاً عن مراعاة الشعب التونسي.
من يتتبع تاريخ جماعة «الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي المتفرعة عنها وجماعات الإرهاب والعنف يجدها جميعاً فاشلةً في السياسة لأنها لا تؤمن بها بل تعتبرها وسيلة للسلطة التي هي الغاية، ومن هنا فقد فشلت كل تجاربهم في الحكم، في السودان وفي غزة كما في أفغانستان وفي مصر، وهذا الغنوشي ينسف قيمة دولته وينحاز لأردوغان الذي يحتل دولتين عربيتين في سوريا وليبيا.
لا يخشى الغنوشي من نقل أردوغان لإرهابيين مرتزقة من سوريا إلى ليبيا، لأنه يعلم أنهم تلاميذه وتلاميذ أردوغان المدعومين بالأموال والسلاح، فهؤلاء هم حلفاؤه التقليديون بينما تخشى القوة السياسية والشعب التونسي من انتقال كل هذا الإرهاب والجماعات الإرهابية من ليبيا إلى تونس.
لم ينته الإرهاب ولن ينتهي قريباً، ولكن من الجيد أن إدارة الرئيس الأميركي ترامب بدأت في التوجه نحو تصنيف جماعة «الإخوان» جماعةً إرهابيةً، وهي تتواصل مع حلفائها الأوروبيين بهذا الاتجاه.
أخيراً، فكل جهدٍ للقضاء على الإرهاب لا يتجه لمنبعه الأصلي في جماعة «الإخوان»، فهو جهدٌ محكومٌ بالفشل.