التكتل الاقتصادي بين الدول فرصة كبيرة لتحقيق التكامل وتعميق دينامياته الفاعلة، لأن التكامل يعد صفة أصلية من صفات النظام الاقتصادي الناجح، ووسيلة فعّالة ومثالية من أجل الوصول إلى مستويات عالية من التنمية الاقتصادية التي تتحقق للجميع. وعندما تتكامل مجموعة من الدول، تتحقق مكاسب تستفيد منها الشعوب من خلال تطوير الصناعة الوطنية وضمان الازدهار الاقتصادي وزيادة الرفاهية.
وهذا ما حدث بالفعل مع اقتصادات كل الدول التي دخلت في تكتلات اقتصادية إقليمية تتكامل وتندمج من أجل منافع مشتركة، حدث هذا مع التكتل الأوروبي (الاتحاد الأوروبي) والتكتلات الآسيوية مثل «آسيان» وغيرها. إن تعميق التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي ومناقشة كل ما يتعلق بهذا الأمر من آليات وخطط وبرامج وقرارات عملية مهمة، في زمن التكتلات الكبرى.
صحيح أن دول الخليج العربية كان لديها اهتمام بموضوع التكامل الاقتصادي منذ بداية قيام مجلس التعاون الخليجي إلا أن طموحها إلى تكوين اتحاد وتكتل اقتصادي عميق أخذ يتشكل تدريجياً حتى وصل الآن إلى صورة جديدة خاصة في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها عالم اليوم والتي تتطلب من الجميع ادراك ضرورة التكامل والمراقبة الدقيقة لمهارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحتمية إطلاق دينامية خليجية قوية تنافس التكتلات الأخرى، وتسهم في توسيع السوق الخليجي وزيادة الاستثمارات فيه وتحسين نوعية منتجاته وتجويدها وتيسير الاستفادة من الكفاءات والخبرات ذات الجودة العالية وتنظيم تبادلها بين دول المجلس وتسهيل جهود التنمية الاقتصادية التي ترفع من مستويات الرفاهية لمصلحة شعوب المنطقة، وبالتالي خلق حالة من الثقة والطمأنينة على مستقبل دول مجلس التعاون.
المرحلة القادمة في مسيرة التنمية الخليجية في غاية الأهمية إذ تحتاج إلى تعميق مثل هذا التكامل وتطوير آلياته وتنويع مجالاته التنموية خاصة في مجال التعليم والثقافة، انطلاقاً من حقيقة مفادها أن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية لهذا التوجه، لذلك لابد من العمل على تطوير الموارد البشرية حتى تكون لجهود التكامل الخليجي ثمارها المنتظرة في مجالات الإيداع والابتكار مما يساهم في تطوير نوعية التنمية التي تحتاجها المنطقة خلال المرحلة القادمة، وذلك عبر رسم خريطة اقتصادية جديدة.
إن نجاح التكتل الاقتصادي الخليجي يتوقف على قدرة الدول الأعضاء على فهم طبيعة كل المعوقات التي تقف في وجه مثل هذا التوجه والعمل جدياً على إزالتها، فإذا نجحت في فهم وتحقيق مثل هذه المتطلبات فإن من شأن ذلك أن يجعل تكتلها قوة كبرى وعظيمة التأثير على خريطة الاقتصاد العالمي والأهم أن تكون هناك اقتصادات وطنية واسعة وقوية في دول مجلس التعاون.
التكتل الاقتصادي الخليجي إذا قدر له أن يتطور وفق رؤية واضحة يمكنه أن يمنح اقتصادات دول المنطقة قوة حقيقية للعطاء والتجديد والتنويع والابتكار والقدرة على المنافسة والانطلاق نحو مستقبل اقتصادي واستثماري واضح وزاهر.
*كاتب إماراتي