تركز هذه المقالة على النظر في دور النخبة الاقتصادية ورجال الأعمال في بناء الدولة والمجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي في مسارها الميمون نحو انقضاء خمسين عاماً على تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971، وانعكاس ذلك الدور على تأسيس الدولة وحاضرها ومستقبلها.

لكن من هي النخبة الاقتصادية ورجال الأعمال في دولة الإمارات وما هو تعريفها؟ ضمن الأدبيات المعاصرة يطلق مصطلح نخبة «اقتصادية» لوصف مجموعة من البشر الذين يرتبطون ببعضهم بعضاً وبشكل أساسي عن طريق أعمالهم ومشاريعهم الاقتصادية والتجارية والمالية.
ويزودنا دارسو مقولة النخبة بمجموعة كبيرة من التعريفات التي تصب في ثلاثة أطر رئيسية، يتعلق الإطار الأول منها باعتبار أن النخبة الاقتصادية هي تلك المجموعة التي تضطلع بالخلق الاقتصادي والتجاري والمالي المبدع وللمثل الاقتصادية العليا وقيم الخير والحق والعدالة الاقتصادية والمالية التي تخدم الدولة والمجتمع وحمايتها والمحافظة عليها عن طريق إبعادها التام عن دوائر الاستغلال والطمع والجشع والفساد بأنماطه المختلفة.
ويتعلق الإطار الثاني باعتبار أن النخبة الاقتصادية هي تلك المجموعة التي يضع أعضاؤها الأفكار الاقتصادية والتجارية والمالية للمجتمع، ويقومون بنشرها وترويجها، وبابتكار النظريات والأساطير الاقتصادية - الاجتماعية الشعبية العامة، هذا بالإضافة إلى دعمها وتشجيعها للبحث الاقتصادي العلمي وللنقد الهادف من أجل إصلاح شؤون الدولة والمجتمع اقتصادياً. وأما الإطار الثالث، فإنه يتعلق باعتبار أن النخبة الاقتصادية هي المجموعة التي يشكل أفرادها فئة اجتماعية تتحكم في التطور الاقتصادي وتسهم من خلال ذلك في بناء الدولة والمجتمع على الصعد المالية والصناعية والتجارية.
النخبة الاقتصادية ورجال الأعمال في دولة الإمارات أسهمت كثيراً في بناء الدولة الاتحادية على الصعد المشار إليها، وهو دور كما نراه مكملاً لأدوارها القديمة في المجتمع، سواءً كان ذلك فترة ما قبل قيام الاتحاد بقليل، أو فترة ما قبل استخراج النفط من مكامنه ودخول البلاد الحقبة النفطية.
وبرغم من جميع التطورات والتغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ألمت بدولة الإمارات، إلا أن الأدوار الأساسية للنخبة الاقتصادية لم تتغير كثيراً.
وقد يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى طبيعة عملية التغير الاجتماعي ذاتها التي حدثت في دولة الإمارات التي قد لا تخرج عن سياق التغييرات الاجتماعية التي تحدث في المجتمعات الإنسانية الأخرى، وإن كان النفط يلعب دوراً أساسياً في ذلك.
لذلك فإن النخبة الاقتصادية في الإمارات تواجه المعضلات نفسها التي يوردها علماء السياسة والاجتماع بأنها تواجه النخب الاقتصادية في دول العالم الأخرى، لكن ظروف ومعطيات دولة الإمارات خاصة بها وحدها، وتستطيع النخبة الاقتصادية ورجال الأعمال فيها تقديم الكثير جداً للوطن والمواطنين من خلال تبني مشاريع اقتصادية واجتماعية تصب في هذا الاتجاه، فالمجال متاح والأبواب لفعل الخير مفتوحة للقيام بذلك.
معضلة النخبة الاقتصادية ورجال الأعمال الأولى هي علاقتها بالمجتمع ومصادر القوة فيه التي تحتاج إلى جسور تمد لتنفيذ ككل ما هو صالح ومفيد لأبناء هذا المجتمع، فطالما تواجدت لدى أعضاء النخبة الاقتصادية أفكار واضحة حول مستقبل وطنهم ومجتمعهم، فإن الارتباط بالمجتمع وتبني قضايا أبنائه هي التي ستكسبهم القوة الاجتماعية، والقوة الاجتماعية هي الوسيلة المثلى التي يمكن من خلالها تحقيق الأفكار والأهداف الوطنية العليا.
*كاتب إماراتي