من عادة الجمهوريات السلطوية أن تسعى إلى إخفاء الأخبار السيئة عن جمهورها وعن العالم بشكل عام. فمن بين آخر الأزمات الداخلية التي عرفها الاتحاد السوفييتي الانفجار النووي الذي وقع بمحطة الطاقة في تشيرنوبيل، في أوكرانيا، في يوم 26 أبريل 1986. وكان ذلك أسوأ حادث نووي في عصر الطاقة النووية برمته. الرد الفوري للسلطات السوفييتية كان إنكار حدوث أي شيء خطير في الموقع أو غير عادي، لكن بعد يومين فقط على وقوع الحادث النووي، دفع وجود مستويات عالية من التسرب الإشعاعي فوق سماء السويد الحكومةَ السويدية إلى المطالبة بتفسير لما يحدث. وعلى مضض، وبقليل من المعلومات والتفاصيل، اعترفت السلطات السوفييتية بوقوع حادث التسرب الإشعاعي في محطة تشيرنوبيل نتيجة للانفجار الذي تعرضت له أجزاء منها.
كان ذلك سلوكا سوفييتيا نموذجياً، أدى من قبل إلى إنكار عدد من الحوادث الخطيرة في المنشآت النووية السوفييتية الأخرى إبان فترة الحرب الباردة. فقبل حادث تشيرنوبيل كان أسوأ حادث قد وقع في منشأة ماياك للبلوتونيوم في منطقة تشيليابينسك في جبال الأورال. ففي يوم 29 سبتمبر عام 1957، انفجر واحد من أنظمة التبريد في المنشأة، مما تسبب في إطلاق كميات ضخمة من المواد المشعة في الجو. لكن السوفييت لم يكشفوا عما حدث ولم يخبروا به أي جهة معنية، ولا حتى الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من المنشأة، والذين يمكن أن يصبحوا ضحايا لذلك التسرب الإشعاعي القاتل. وكان على العالم الانتظار حتى عام 1976، عندما قام منشق سوفييتي بنشر قصة حدث التسرب الذي جرى في منشأة ماياك للبلوتونيوم.
وفي الآونة الأخيرة، أسفر تحطم طائرة أوكرانية بعد إقلاعها من مطار طهران، في يوم 8 يناير 2020، عن مقتل قرابة 180 راكباً كانوا على متنها، من بينهم 60 كندياً و80 مواطناً إيرانياً. تحطم الطائرة المدنية الأوكرانية تزامن مع شن إيران هجوماً صاروخياً على قاعدتين أميركيتين في العراق ثأراً لقيام الولايات المتحدة باغتيال جنرال الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في يوم الثالث من الشهر نفسه، بالقرب من مطار بغداد الدولي، رفقة أحد قادة مليشيات «الحشد الشعبي» العراقية. وعلى هذه الخلفية كان الإيرانيون يتوقعون أن تقوم الولايات المتحدة بالرد على الضربة الصاروخية وكانوا في حالة تأهب قصوى. وفي هذه الظروف، تحطمت الطائرة الأوكرانية. وعلى مدى ثلاثة أيام، كان الرد الإيراني الرسمي هو أن التحطم إنما حدث بسبب عطل ميكانيكي أصاب الطائرة وأجهزتها الفنية. لكن دلائل دامغة ظهرت من مصادر وسائل التواصل الاجتماعي، غربية وإيرانية، على أن الطائرة أُسقطت بصاروخ إيراني.
وخلال فترة الإنكار تلك، تعمد الحرس الثوري حجب الأدلة عن الرئيس الإيراني حسن روحاني. ولم يتم إخبار روحاني بالحقيقة إلا بعد تنديد واسع بالهجوم تزعمه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو. وكان روحاني، حسبما تم تداوله، جد غاضب لدرجة أنه هدد بالاستقالة إذا لم تعترف الحكومة بالتسبب في تحطم الطائرة. وعندما تم الاعتراف بالحقيقة أخيراً، اندلعت مظاهرات كبيرة في إيران، احتجاجاً على عدم صدق الحكومة. ويمكن القول إننا لم نر بعد التداعيات الأخيرة لهذه الأزمة.
وفي الوقت الحالي، يواجه العالم خطر وباء عالمي على شكل «فيروس كورونا» الذي ظهر أول مرة في ووهان، وهي مدينة في وسط الصين يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة. وحتى الآن، أصيب عدة آلاف صينيين بالفيروس ومات بسببه أكثر من 140 آخرين. الفيروس امتد إلى أجزاء أخرى من آسيا وأوروبا والأميركيتين. وإذا كانت الحكومة الصينية قد تعرضت لانتقادات من جانب البعض بسبب ما اعتبروه «رداً بطيئاً» على الفيروس، فإن أعمالها كانت أكثر شفافية مما كانت عليه في حالات أخرى سابقة. ففي عام 2002، ظهر فيروس «المتلازمة التنفسية الحادة الخطيرة»، والذي اشتهر باسمه المختصر «سارس»، في محافظة غوانغدونغ الصينية، ثم انتشر بسرعة عبر البلاد وخارجها. واستغرق الأمر عدة أيام قبل أن يتم الاعتراف بخطورة الحدث. وفي تلك الأثناء، انتشر الخوف والقلق عبر البلاد. وفي غضون أشهر، بُذلت جهود حثيثة من أجل احتواء الفيروس، ثم انتهت الأزمة عموماً في شهر نوفمبر من العام ذاته.
وبالنظر إلى ترابط المجتمع العالمي الحديث وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود أنظمة المراقبة في كل بلد عبر العالم، بات من الصعب، وعلى نحو متزايد، على الحكومات إخفاء الأحداث السيئة عن مواطنيها أو عن العالم. وهذا على الأقل يُعد تقدماً إيجابياً. غير أن الذي ما زال ضرورياً هو مزيد من التعاون الدولي ومن الاستعداد لمزيد من الأوبئة والكوارث الأخرى التي من المتوقع أن تحدث في أي وقت، وأن تنتشر عبر العالم بسبب هذا الترابط المتزايد بين أجزاء الكرة الأرضية.