من بين المخلوقات جميعها، تحتل الفيروسات موقعاً خاصاً، وغريباً إلى حد كبير. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنها أحد أشكال الحياة، كونها تحتوي على مادة وراثية وتتكاثر وتتطور من خلال عملية الانتقاء أو الاختيار الطبيعي، يرى آخرون أنها تقف على الحافة أو الحد الفاصل، بين الجماد والحياة. كونها تفتقر لبعض الخصائص الأساسية للكائنات الحية، مثل الجدار الخلوي الخارجي، مما يجعلها شكلاً من أشكال «المستنسخات»، أي النظم القادرة على استنساخ نفسها، وخلق نسخ مكررة من ذاتها ليس إلا، تماماً مثلما هي فيروسات الكمبيوتر التي تستنسخ نفسها بين عدة أجهزة، دون أن تكون كائنات حية حسب المفهوم المعتاد.
ويمكن تعريف الفيروسات على أنها عناصر أو عوامل معدية، تستنسخ نفسها داخل الخلايا الحية للكائنات الأخرى، ويمكنها غزو واستغلال جميع أشكال الحياة في الإكثار من عددها، بما في ذلك جميع النباتات والحيوانات، حتى الميكروبات الأخرى، مثل البكتيريا. وتقريباً، لا يوجد نظام بيئي على سطح كوكب الأرض، لا توجد فيه فيروسات، مما يجعلها من أكثر الكيانات البيولوجية عدداً على الإطلاق. ومنذ اكتشاف أول فيروس عام 1898، وهو فيروس يصيب أوراق نبات التبغ، تم حتى الآن عزل وتوصيف حوالي 5 آلاف نوع مختلف من الفيروسات، وإن كان يُعتقَد أن عدد الأنواع والأصناف المختلفة للفيروسات يتخطى عدة ملايين.
ومنذ أن وطئت قدم الإنسان سطح الأرض، ارتبط تاريخه ارتباطاً وثيقاً بالفيروسات، وهو ما يتضح من عدد الأمراض المعدية التي تصيب البشر، نتيجة العدوى بنوع من أنواع الفيروسات. ونذكر من هذه الأمراض على سبيل المثال لا الحصر: فيروس شلل الأطفال، والجدري، والجديري المائي، والحصبة، والحصبة الألمانية، والتهاب الكبد الفيروسي، والأيدز، والإيبولا، والزيكا، والسارس، والهربس، والإنفلونزا، والبرد الشائع، والسعار (مرض الكلب)، والنكاف، وغيرها الكثير. بعض هذه الأمراض تعرف بأمراض الطفولة، حيث أنها غالباً ما تصيب الأطفال في الشهور والسنوات الأولى من أعمارهم، كالحصبة، والنكاف، وشلل الأطفال، والجديري المائي.
وعلى عكس الاعتقاد الخاطئ لدى الكثيرين، لا تجدي المضادات الحيوية نفعاً أمام الفيروسات، حيث أن هذه الطائفة من العقاقير تستهدف البكتيريا وليس الفيروسات. أما طائفة العقاقير المعروفة بمضادات الفيروسات (Antiviral Drugs)، فعلى عكس الغالبية العظمى من المضادات الحيوية، لا يمكنها قتل وتدمير الفيروس، وجل ما تستطيع فعله هو وقف تكاثر تلك الفيروسات ونموها، مما قد يتيح لجهاز المناعة الفرصة للتخلص منها بشكل نهائي.
وإن كان خط الدفاع الأول، والأهم في الواقع، في مكافحة الفيروسات، هو التطعيمات الطبية، فإن هذه التطعيمات تُعَدّ بالفعل من أهم إنجازات الطب الحديث، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، حيث يعود إليها الفضل في إنقاذ حياة ملايين الأشخاص سنوياً، وعشرات ومئات الملايين الآخرين منذ أن بدأ الطبيب الإنجليزي «إدوارد جنر» نهاية القرن الثامن عشر، في استخدام فيروسات جدري البقر في توفير الحماية ضد فيروس الجدري، والذي تم القضاء عليه تماماً عام 1980، حسب توثيق منظمة الصحة العالمية حينها. ويعتبر فيروس الجدري هو الفيروس الوحيد الذي تمكن الجنس البشري حتى الآن من القضاء عليه كلياً، ماعدا بعض العينات الموجودة في معامل خاصة تحت حراسة مشددة، ويؤمل أن يلحق فيروس شلل الأطفال بالمصير نفسه في غضون السنوات القليلة القادمة.
وتؤدي التطعيمات التقليدية الحالية مهمّتها في حماية الجسم البشري، ضد غزو العديد من الجراثيم، من خلال إدخال صنف أو نوع ضعيف أو واهن من الفيروس إلى جسم الإنسان، أو ربما حتى جزء صغير فقط من الفيروس، بهدف حث وتحفيز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة، وإنتاج خلايا خاصة، وتجهيز باقي دفاعاته، في حالة تعرّض الجسم لغزو النوع القوي والشرس من الفيروس. ويمكن تشبيه هذه الاستراتيجية بالتدريبات والمناورات التي يقوم بها رجال الإطفاء والدفاع المدني على حرائق في أماكن محدودة، ووفق سيناريوهات مسبقة، لرفع درجة استعدادهم وزيادة كفاءتهم في السيطرة على الموقف، في حالة حدوث حريق فعلي واسع النطاق.
وبالإضافة إلى التطعيمات الطبية، تَعتمِد إجراءات الوقاية من العدوى بالفيروسات على طريقة وأسلوب حدوث هذه العدوى. فالفيروسات التي تنتقل مثلا مع الغذاء الملوث، يمكن الوقاية منها عن طريق اتباع إجراءات السلامة والأمان الغذائية، أما الفيروسات التي تنتقل عن طريق السوائل الحيوية، كالدم الملوث مثلا، فيمكن الوقاية منها من خلال فحص الدم المتبرع به بشكل مهني عالي الدقة. وبالنسبة للفيروسات التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، فيمكن الوقاية منها عبر اعتماد الطرق الآمن في هذا الخصوص، وهلم جرا.