إيران بالنسبة للجانب الروسي تكتسي أهمية قصوى لا تفاوض فيها موسكو ولا تقبل بالمساس به، خاصة في ظل حجم المصالح المشتركة بين الجانبين، حيث إن الاحتمال الأكبر الذي يراهن عليه كل جانب ينصب في تحقيق أولوية تأمين العمق الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والعسكري لكل جهة، والضغط على الجانب الأميركي بمعية الصين في مسرح الصراع الدولي لفرض النفوذ خارج الحدود وتأمين الخارج لضمان سلامة واستقرار الداخل. وعليه ستكون هناك تجاوزات إقليمية شبه حتمية ومناوشات دائمة، وهي من أركان استراتيجية بعيدة المدى للتنفيس وتقليل للضغط الداخلي عند الحاجة لذلك، وتنفيذ أجندة خارجية هي جزء حيوي من الدبلوماسية المعاصرة، التي تعتبر الفوضى الجزئية مطلباً رئيسياً لإيصال رسالة أو تحقيق مكسب دائم أو مؤقت قد يساهم في إرساء البنية التحتية لمكسب أكبر في المستقبل.
وتبرع روسيا في ممارسة ضغوط موازنة القوى وجعل الإثارة مبدأ أصيل في معادلة الوصول للنتائج المرغوبة، والتي تكون بمثابة نصر لجميع الأطراف، وأن كان أحد الأطراف قد يبدو للجمهور الخارجي وحتى الداخلي غير المقرب بالقدر الكافي لسرية وطبيعة الصفقة هو الخاسر في تلك الحسبة، حيث لا انتصار ولا هزيمة في الدبلوماسية العقلانية وإنما أهداف مشتركة تتحقق على مراحل متباعدة، وقد تبدو وكأنها نصر مؤزر لجانب، في حين أن الجانب الآخر هو المنتصر خلف الكواليس بطرق ووسائل غير تقليدية وضعت للنيل من هدف داخلي أو خارجي يقع خارج نطاق التغطية للمنافسين الرئيسين، وإيهام الآخرين بواقع صُمم لتضليل وإيقاعهم في فخ التحليل الجيوستراتيجي الخاطئ بما في ذلك الإعلام والعامة.
ولذلك من غير المتوقع أن تخف وتيرة الأزمات في المنطقة، أو أن تتجانس مصالح وأولويات كل دولة مع الأخرى، وقد تلجئ موسكو لسلاح المقايضات والمساومات مع واشنطن والعواصم الأوروبية من خلال بوابة طهران وهي علاقة ضمن المحددات المهمة لسياسة موسكو الخارجية المتمثلة في عدم القبول بأي تواجد عسكري نشط للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بالقرب من الحدود الروسية أو في المناطق التي تعتبرها داخلة في نطاق المصالح والتطلعات السياسية الروسية، والتواجد الإيراني في المناطق التي تعتبرها روسيا تقليدياً مجالاً خاصاً لمصالحها الاستراتيجية والتاريخية مثل مناطق آسيا الوسطى والقوقاز وبحر قزوين والتهديد المتمثل في تقارب إيران مع دول منافسة على حساب الدب الروسي، ودور إيران المحتمل كنقطة انطلاق في صراع آخر، وإنْ كانت روسيا تعارض حصول إيران على أسلحة نووية، معتبرة أن تطوراً كهذا من شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً في ميزان القوى في المنطقة، ويمكن أيضاً أن يقلل نسبة مخاوف النخب الروسية الذين يريدون استخدام التقارب مع إيران كوسيلة للرد على تحديات الأمن القومي، التي نشأت عن الدبلوماسية الأميركية، وإنْ قام المسؤولون الأميركيون بتزويد روسيا بمعلومات تفصيلية وتفسيرات واضحة بشأن التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني على كل من نظام حظر الانتشار النووي والاستقرار الإقليمي، وخاصة إذا ما أخذنا في الحسبان رغبة روسيا الشديدة لمنع ظهور قوة جديدة تمتلك أسلحة دمار شامل قرب حدودها.
وقد أصبح من الضروري على الرئيس بوتين إعادة رسم خريطة تصدير الغاز الطبيعي الروسي، وإبراز أهمية مشروع غاز بوتين الكبير لمواكبة الواقع الجيوسياسي الجديد ودور إيران في ذلك، كما تعمل روسيا على بناء خط أنابيب إلى تركيا، وإطلاق خط آخر للأنابيب إلى الصين. ويُشار إلى أن إيران وروسيا لديهما برامج عديدة للتعاون في مجال البترول والغاز، والتنقيب في الجزء الجنوبي من بحر قزوين، ما يثير القلق الأميركي حيال كل تلك المبادرات وأن خفضت روسيا حجم تجارة السلاح مع إيران وتعاونها مع طهران في مجالات الملاحة الجوية والفضاء على الرغم من الإغراءات القائمة لتحقيق مكاسب إضافية، ولهذا حدت أميركا من أنشطتها التي تراها روسيا تمثل تهديداً على أمنها القومي، وتعرقل سير التقدم في التواصل الأميركي الروسي في ظل التقارب الروسي- الصيني وقضية نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا الشرقية وتواجد حلف «الناتو» في أفغانستان والتغلغل الغربي في القوقاز وآسيا الوسطى، ومد خطوط أنابيب عبر بحر قزوين. وكما هو واضح في هذه الصورة المشتركة للتهديد الغربي للمصالح الروسية، لن تتخلى موسكو عن دعم النظام الإيراني، وتقوية روابط العلاقة مع طهران، وضمان المحافظة على المصالح الروسية في إيران، وهو يحتاج للاستقرار في منظومة الحكومة الإيرانية، وتجنب كارثة ما حدث بعد الإطاحة بصدام حسين والقذافي، وتضرر المصالح الروسية.