في الثامن والعشرين من يناير 2020، أعلن الرئيس دونالد ترامب خطته التي يُطلق عليها «صفقة القرن» التي تهدف إلى حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لكن الأطراف المختلفة استقبلت المسألة كل على طريقته ووفقاً لمصالحه الحيوية التي تكمن ضمن طياتها، ففي حين استقبلت الحكومة الإسرائيلية الأمر بترحيب حار وكأنّ الخطّة ستحل جميع مشاكل إسرائيل مع الفلسطينيين، وكأن شيئاً لم يحدث بينهما منذ قيام إسرائيل، استقبلها الفلسطينيون بكافة أطيافهم الرسمية والشعبية بالرفض العام، سواء السلطة في رام الله أم «حماس» في قطاع غزة، أم الفلسطينيين المقيمين في داخل إسرائيل أم الفلسطينيين في شتى بقاع الأرض.
وتنطلق هذه المواقف المتباعدة جداً من كون أن الخطة تعطي إسرائيل كل شيء في حين أنها، وكما يراها الفلسطينيون، تمنع عنهم كل شيء وتنتقص حقوقهم في كل شيء بما ذلك العاصمة التي يطالبون بها في القدس الشرقية.
لقد علمتنا التجربة الدبلوماسية بأنه لا يتوجب على المرء أن يتبنى موقفاً مباشراً تجاه القضايا المطروحة على صعيد العلاقات الدولية لمجرد أن المبادرات التي تطرح بشأنها على الصعيد العالمي تبدو براقة وجذابة، فالخطة المطروحة تبدو كذلك حين يمر بالمراقب العودة إلى حل الدولتين، وتقديم دعم مالي مغر يصل إلى خمسين مليار دولار أميركي.
وفي المقابل علمتنا التجربة الدبلوماسية أيضاً بأنه يجب علينا أن لا نهرول فوراً إلى رفض المبادرات والحلول والأفكار الجديدة للتعامل مع أية مسألة، خاصة عندما تكون هذه المسائل على شاكلة قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الشائكة التي مرّ على جذورها قرن كامل منذ وعود بلفور المشؤوم.
المراقب الذي يريد فهم كمية المسائل وتعقيداتها عليه أن يتعلّم الكثير عنها، والتعلم وفهم التفاصيل له ثمن، لكن المهم هو أن التعلم يأتي في البداية قبل تحديد المواقف بشكل قاطع، وإلى الآن لم تخرج إلى الملأ جميع التفاصيل التي يقال عنها بأنها تقع في ثمانين صفحة عند كتابة هذه السطور، وكما يقال في عالم السياسة، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.
ما نراه صحيحاً تجاه هذه المبادرة هو التريث قبل الحكم النهائي عليها بالرفض التام أو القبول المؤدي إلى التفاوض المفيد والحاسم.
ويعود السبب في ذلك إلى أن مشاكل المنطقة العربية وجوارها الجغرافي كثيرة وجسيمة ومتفاقمة، وهي كمنطقة باتت هشّة ومخترقة وذات بيئة سياسية تتلاطمها الأمواج يمنة ويسرة ولا تتحمل المزيد، وهذه أمور لا بد وأن تجعلنا نفكر بإيجابية وبوسائل خلاقة ومبتكرة وجديدة مختلفة عن كل ما مضى، لكي نستطيع مواجهة التحديات التي تكمن في الحاضر وعمر المستقبل.
إن مسارات السياسة في المنطقة وضعت أمامنا طرقاً من التفكير التي هي حتماً مرتبطة ومصقولة بسياسات القوى العالمية العظمى والكبرى، وبالحرب الباردة الماضية، وبالاعتماد على النخب السياسة لفهم أنماط التغير الاجتماعي في كل قُطر على حدة، وبالافتراض أن حدود الدول القائمة لما بعد الحقبة الاستعمارية الأوروبية، هي دائمة ومعقولة من الناحية السياسية.
لكن في هذه المرحلة لما بعد انتهاء الحرب الباردة واختفاء الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى، ومساعي التسلح النووي الإيراني الحثيثة، وأحداث الفوضى العارمة التي ألمّت بعدد من الدول العربية نحن كعرب نحتاج إلى التفكير بطريقة مختلفة حول الحالة السياسة غير السوية في العالم العربي، بما في ذلك الوسائل الكفيلة بحل المعضلة الفلسطينية.
ومع تعثر أو لنقل تردي الفكر القومي، والفكر الديني معاً كتجارب سياسية صالحة لأنماط الحكم في العديد من الدول العربية التي مرّت بها، يجد صنّاع السياسة أنفسهم وهم أمام مهمة تحديد ماهية الوسائل المثلى لإيصال الأوطان وشعوبها إلى بر الأمان، خاصة مسألة اتخاذ القرار حول الأيديولوجيا السياسية التي تساعد في الدفع بالمصالح الوطنية والقومية إلى الأمام، وذلك في خضم سعي المنطقة برمتها إلى لملمة أطرافها بعد ما مر بها من أحداث وحروب، وفوضى، وكوارث، بما في ذلك النخب السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
هُنا على العالم العربي أن ينظر في ما هي الأفكار الجديدة التي تقوده إلى وضع سياسي مستقر يساعده على حل المشكلة الفلسطينية، بما في ذلك التمعن جيداً في «خطة السلام» لمعرفة إيجابياتها وسلبياتها وتداعياتها، ومشاكل التنمية الشاملة المستدامة، ومشاكل محاربة الإرهاب والتطرف الديني، والدفع إلى الأمام بالتنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر والجهل والمرض وإنصاف المرأة العربية في كل مكان، هذا إلى جانب عدم الاستعجال في الحكم على أية قضية سياسية تبرز أمامنا.
*كاتب إماراتي